حالا (١). قال ابن عباس : أي : وأنت من الكافرين لنعمتي أي (٢) : وأنت إذ ذاك ممن تكفرهم الساعة ، وقد افترى عليه أو جهل أمره ؛ لأنه كان يعاشرهم بالتّقيّة (٣) ، فإن الكفر غير جائز على الأنبياء قبل النبوة (٤). ويجوز أن يكون مستأنفا (٥) ، ومعناه وأنت ممن عادته كفران النعم ، ومن كانت هذه حاله لم يستبعد منه قتل خواص ولي نعمه (٦). وقيل : (مِنَ الْكافِرِينَ) بفرعون وإلاهيّته ، أو من الذين يكفرون في دينهم ، فقد كانت لهم آلهة يعبدونها (٧) بدليل قوله : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] قوله : (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ). «إذا» هنا حرف جواب فقط. قال الزمخشري : إنها جواب وجزاء معا قال : فإن قلت : (إذا) حرف جواب وجزاء معا ، والكلام وقع جوابا لفرعون ، فكيف وقع جزاء؟ قلت : قول فرعون : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ) فيه معنى أنك جازيت نعمتي بما فعلت ، فقال له موسى : نعم فعلتها مجازيا لك تسليما لقوله ، كأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء (٨). قال أبو حيان : وهذا مذهب سيبويه ، يعني : أنها للجزاء والجواب (٩) معا ، قال : ولكن شراح الكتاب فهموا أنها قد تتخلف عن الجزاء ، والجواب معنى لازم لها (١٠).
فصل
واعلم أن فرعون عدد عليه نعمه من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال ، ووبخه بما جرى على يده من قتل أجناده ، وعظم ذلك بقوله : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ).
ولما ذكر فرعون التربية ذكر القتل ، وكانت تربيته معلومة ما أنكرها موسى ـ عليهالسلام (١١) ـ وقد تقرر في العقول أن الرسول إلى الغير إذا كان معه معجزة وحجة لم يتغير (١٢) حاله بأن يكون المرسل إليه أنعم عليه أو لم ينعم ، فصار قول فرعون غير مؤثر فالإعراض عنه أولى ، ولكن أجاب عن القتل بما لا شيء أبلغ منه في الجواب ، فقال : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي : من الجاهلين ، أي : لم يأتني من عند الله شيء ، أو من
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٠٠ ، البحر المحيط ٧ / ١٠.
(٢) في ب : أو.
(٣) أي : يظهر لهم خلاف ما يبطن.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٥.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٥.
(٧) المرجع السابق.
(٨) الكشاف ٣ / ١١١.
(٩) قال سيبويه : (وأما «إذن» فجواب وجزاء) الكتاب ٤ / ٢٣٤.
(١٠) انظر البحر المحيط ٧ / ١١. أي : أي سيبويه قال معناها الجواب والجزاء فقال الشلويين : دائما في كل موضع ، وقال أبو علي الفارسي غالبا في أكثر المواضع كقولك لمن قال : أزورك : إذن أكرمك ، فقد أجبته وجعلت إكرامه جزاء زيارته ، أي : إن تزرني أكرمتك ، قال : وقد تتمحض للجواب كقولك لمن قال : أحبك : إذن أصدقك. إذ لا مجازاة هنا ، والشلويين يتكلف في جعل مثل هذا جزاء ، أي : إن كنت قلت ذلك حقيقة صدقتك. انظر الهمع ٢ / ٦ ، الأشموني ٣ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) في ب : يتعين. وهو تحريف.