وعن الثاني : أنه وصف عرشها بالعظم بالنسبة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ، ووصف عرش الله بالعظم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض (١).
قال المفسرون : العرش السرير الضخم كان مضروبا من الذهب مكلّلا بالدرّ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقوائمه من الياقوت والزمرد ، وعليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق (٢).
قال ابن عباس : كان عرشها ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا وطوله في السماء ثلاثون ذراعا (٣). واعلم أن قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) إن قلنا : إنه من كلام الهدهد ، فالهدهد قد استدرك على نفسه ، واستقلّ عرشها بالنسبة إلى عظمة عرش الله ، وإن قلنا : إنه من كلام الله تعالى ، فالله رد عليه استعظامه لعرشها (٤).
فصل
طعنت الملاحدة في هذه القصة من وجوه :
أحدها : أنّ هذه الآيات اشتملت على أنّ النملة والهدهد تكلما بكلام لا يصدر ذلك إلّا عن العقلاء وذلك يجر إلى السّفسطة (٥) ، فإنّا لو جوّزنا ذلك لما أمنّا من النملة التي نشاهدها في زماننا هذا (٦) أن تكون أعلم بالهندسة من إقليدس (٧) ، وبالنحو من سيبويه ، وكذا القول في القملة والضئبان (٨) ، ولجوزنا أن يكون فيهم الأنبياء والمعجزات والتكاليف ، ومعلوم أنّ من جوّزه كان إلى الجنون (٩) أقرب.
وثانيها : أنّ سليمان ـ عليهالسلام (١٠) ـ كان بالشام ، فكيف طار (١١) الهدهد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن ، ثم رجع إليه؟.
وثالثها : كيف خفي على سليمان (عليهالسلام) (١٢) تلك المملكة العظيمة مع أنّ الجن والإنس كانوا في طاعته ، وأنه ـ عليهالسلام (١٣) ـ كان ملك الدنيا كلها ، وكان
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٠.
(٢) انظر البغوي ٦ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.
(٣) انظر البغوي ٦ / ٢٧٤.
(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٠.
(٥) السّفسطة : قياس مركب من الوهميات ، والغرض منه إفحام الخصم وإسكاته (من اليونانية). المعجم الوسيط (سفسط.
(٦) هذا : سقط من ب.
(٧) إقليدس وهو رياضي يوناني ، علم في الإسكندرية ، وضع مبادىء الهندسة المسطحة. المنجد في الأعلام (٥٨).
(٨) الضّئب : من دواب البحر. الضّؤبان من الجمال : السّمين الشديد. المعجم الوسيط (ضأب.
(٩) في ب : الجواب. وهو تحريف.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) في ب : صار.
(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.