تحت طاعة بلقيس ـ على ما يقال ـ اثنا عشر ألف تحت يد كل واحد منهم مائة ألف ، مع ما يقال إنه لم يكن بين سليمان وبين بلدة بلقيس حال طيران الهدهد إلّا مسيرة ثلاثة أيام؟ رابعها : من أين حصل للهدهد إنكار سجودهم للشمس وإضافته للشيطان وتزيينه؟ والجواب عن الأول : أنّ ذلك الاحتمال قائم في أول العقل ، وإنما يدفع ذلك بالإجماع (١). وعن البواقي : أنّ الإيمان بافتقار العالم إلى القادر المختار يزيل هذه الشكوك (٢).
فصل (٣)
قالت (٤) المعتزلة : قوله (يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) يدل على أنّ فعل العبد من جهته ، لأنه تعالى أضاف ذلك إلى الشيطان بعد إضافته إليهم ، وأورده مورد الذم ، وبين أنهم لا يهتدون.
والجواب من وجوه :
أحدها : أنّ هذا قول الهدهد فلا يكون حجة.
وثانيها : أنه متروك الظاهر ، فإنه (٥) قال : (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) ، وعندكم الشيطان ، فإنه ما صدّ الكافر عن السبيل ، إذ لو صدّه الشيطان عن السبيل لكان معذورا ممنوعا ، فيسقط عنه التكليف فلم يبق إلّا التمسك بالمدح والذم ، وجوابه قد تقدم (٦).
قوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا) قرأ الكسائي بتخفيف «ألا» ، والباقون بتشديدها (٧) ، فأمّا قراءة الكسائي ، «ألا» فيها تنبيه واستفتاح ، و «يا» بعدها حرف نداء ، أو تنبيه أيضا على ما سيأتي ، و «اسجدوا» : فعل أمر ، فكان (٨) حق الخط على هذه القراءة أن يكون يا اسجدوا ، ولكن الصحابة أسقطوا ألف «يا» وهمزة الوصل من «اسجدوا» خطا لما سقط لفظا ، ووصلوا الياء بسين «اسجدوا» ، فصارت صورته «يسجدوا» كما ترى ، فاتحدت القراءتان لفظا وخطّا (٩) ، واختلفا تقديرا (١٠). واختلف النحويون في «يا» هذه ، هل هي حرف تنبيه أو للنداء والمنادى محذوف ، تقديره : يا هؤلاء اسجدوا ، وقد تقدم ذلك عند قوله في سورة النساء : (يا لَيْتَنِي)(١١) والمرجّح أن تكون للتنبيه (١٢) ، لئلّا يؤدي إلى حذف كثير من غير بقاء ما يدلّ على المحذوف ، ألا ترى أنّ جملة النداء حذفت ، فلو ادّعيت
__________________
(١) في ب : الإجماع.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٠ ـ ١٩١.
(٣) فصل : سقط من ب.
(٤) في ب : فإن قيل.
(٥) في ب : كأنه.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩١.
(٧) السبعة (٤٨٠) ، الكشف ٢ / ١٥٦ ، النشر ٢ / ٣٣٧ ، الإتحاف (٣٣٦).
(٨) في ب : كان.
(٩) في ب : خطّا ولفظا.
(١٠) انظر الكشف ٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.
(١١) من قوله تعالى : «يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً» من الآية (٧٣).
(١٢) وهو قول الأخفش. انظر المعاني ٢ / ٦٤٩ ، ورجحه أبو حيان. البحر المحيط ٧ / ٦٩.