الآية لكان السّجود واجبا ، ولكن دلّت السنة على استحبابه دون وجوبه ، على أنّا نقول : هذا مبنيّ على نظر آخر ، وهو أنّ هذا الأمر من كلام الله تعالى أو من كلام الهدهد محكيّا عنه ، فإن كان من كلام الله تعالى فيقال : يقتضي الوجوب إلّا أن يجيء دليل يصرفه عن ظاهره ، وإن كان من كلام الهدهد ـ وهو الظاهر ـ ففي انتهاضه دليلا نظر (١) ، وهذا الذي ذكروه ليس بشيء ، لأنّ المراد بالسجود ههنا عبادة الله لا عبادة الشمس ، وعبادة الله واجبة وليس المراد من الآية سجود التلاوة ، وأين (٢) كانت التلاوة في زمن سليمان عليهالسلام (٣) ولم يكن ثم قرآن.
وقرأ الأعمش «هلّا» و «هلا» بقلب الهمزة هاء مع تشديد «لا» وتخفيفها ، وكذا هي في مصحف عبد الله (٤) ، (وقرأ عبد الله) (٥) «تسجدون» بتاء الخطاب ونون الرفع (٦) ، وقرىء كذلك بالياء من تحت (٧) ، فمن أثبت نون الرفع ف «ألّا» بالتشديد أو التخفيف للتحضيض ، وقد تكون المخففة للعرض (٨) أيضا نحو ألا تنزل عندنا فتحدّث ، وفي حرف عبد الله أيض ا «ألا هل تسجدون» بالخطاب (٩). قوله : (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) يجوز أن يكون مجرور المحل نعتا «لله» أو بدلا منه أو بيانا ، و (١٠) منصوبة على المدح ، ومرفوعة على خبر ابتداء مضمر. و «الخبء» مصدر خبأت الشيء أخبؤه خبئا أي : سترته (١١) ، ثم أطلق على الشيء المخبوء ونحوه (هذا خَلْقُ اللهِ)(١٢) [لقمان : ١١] قال المفسرون : الخبء في السّموات المطر ، وفي الأرض النبات (١٣) ، والخابية (١٤) من هذا إلّا أنّهم التزموا فيها ترك الهمزة كالبريّة والذّريّة عند بعضهم (١٥). وقيل : الخبء الغيب أي : يعلم
__________________
(١) الدر المصون ٥ / ١٩٠.
(٢) في ب : وأن. وهو تحريف.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) المختصر (١٠٩) ، الكشاف ٣ / ١٤٠ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٠ ، الكشاف ٣ / ١٤٠ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.
(٧) وهي قراءة الأعمش. انظر البحر المحيط ٧ / ٦٨.
(٨) والعرض والتحضيض معناهما : طلب الشيء ، لكن العرض طلب بلين ، والتحضيض طلب بحث ، وتختص (ألا) هذه بالفعلية. انظر المغني ١ / ٦٩ ، ٧٤.
(٩) تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٧ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.
(١٠) في ب : أو.
(١١) انظر اللسان (خبأ).
(١٢) أي : مخلوقة ، فالمصدر بمعنى اسم المفعول.
(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٧٤.
(١٤) الخابية : الحبّ ، أصلها الهمز من خبأت ، إلا أن العرب تركت همزه ، قال أبو منصور : تركت العرب الهمز في أخبيت وخبّيت وفي الخابية ، لأنها كثرت في كلامهم ، فاستثقلوا الهمز فيها. انظر اللسان (خبأ).
(١٥) انظر لسان العرب (برأ).