الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله ، لأنه وكزه تأديبا ، ومثل ذلك ربما حسن (١). وقيل : من المخطئين ، فبين أنه فعله على وجه لا تجوز المؤاخذة (٢) به ، فيعد كافرا لنعمه (٣).
قوله : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ). العامة على تشديد ميم (٤) «لمّا» وهي «لمّا» التي هي حرف وجوب عند سيبويه (٥). أو بمعنى «حين» عند الفارسي (٦). وروي عن حمزة بكسر اللام وتخفيف الميم (٧) ، أي : لتخوّفي منكم ، و «ما» مصدرية. وهذه القراءة تشبه قراءته في «آل عمران»: (لَما آتَيْتُكُمْ)(٨) [آل عمران : ٨١]. وقد تقدمت مستوفاة.
(قال الزمخشري : إنما جمع الضمير في «منكم» و «خفتكم» مع إفراده في «تمنّها» (٩) و «عبّدت» (٩) ، لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ، ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله لقوله : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) [القصص : ٢٠] ، وأما الامتنان والتعبد فمنه (١٠) وحده) (١١).
فصل
والمعنى : إني فعلت ذلك الفعل وأنا ذاهل عن كونه مهلكا ، وكان مني في حكم السهو ، فلم أستحق التخويف الذي يوجب الفرار ، ومع ذلك فررت منكم لما خفتكم عن قولكم : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) [القصص : ٢٠] فبين بذلك ألّا نعمة له عليه في الفعلة ، بل بأن يكون مسيئا فيه أقرب (١٢).
فصل
وقد ورد لفظ «الفرار» على أربعة :
الأول : بمعنى الهرب ، كهذه الآية ، ومثله «لن (١٣) ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت»(١٤).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٥ ـ ١٢٦.
(٢) في ب : لمن أخذه.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٦.
(٤) في ب : تشديدهم.
(٥) قال سيبويه : (وأما «لما» فهي للأمر الذي وقع لوقوع غيره ، وإنما تجيء بمنزلة لو ، لما ذكرنا ، فإنما هما لابتداء وجواب) الكتاب ٤ / ٢٣٤.
(٦) قال أبو علي الفارسي : (وأما «لما» ، فمثل (لم) في الجزم ، قال تعالى «وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا»[آل عمران : ١٤٢] ، [التوبة : ١٦] فجزمت كما جزمت لم ، وإنما هي (لم) دخلت عليها (ما) فتغيرت بدخول (ما) عن حال (لم) فوقع بعدها مثال الماضي في قولك : لما جئت جئت ، فصار بمنزلة ظرف من الزمان كأنك قلت : حين جئت جئت ، فمن ثم جاز أن تقول : جئتك ولما ، فلا تتبعها شيئا ولا يجوز ذلك في (لم) ، ولو لا دخول (ما) عليها لم يجز ذلك فيها) انظر المقتصد شرح الايضاح ٢ / ١٠٩١ ـ ١٠٩٢.
(٧) المختصر (١٠٦) ، البحر المحيط ٧ / ١١ ، الاتحاف (٣٣١).
(٨) [آل عمران : ٨١].
(٩) من الآية التي بعدها.
(٩) من الآية التي بعدها.
(١٠) الكشاف ٣ / ١١١.
(١١) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٦.
(١٣) في الأصل : ولن ، وفي ب : فلن.
(١٤) في ب : «.... من الموت أو القتل».