بما بعده ولا يعمل فيه ما قبله ، وهذا نظير ما تقدم في آخر السورة قبلها في قوله : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧] في كون اسم الاستفهام معمولا لما بعده ، وهو معلق لما قبله ، فكما حكمت على الجملة من «ينقلبون» (١) وما اشتملت عليه من اسم الاستفهام المعمول لها بالنصب على سبيل التعليق ، كذلك يحكم على «يرجعون» فكيف تقول : إنها خبر؟
قوله تعالى : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ)(٣٣)
قوله : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) العامة على كسر الهمزتين على الاستئناف جوابا لسؤال قومها ، كأنهم قالوا : ممن الكتاب؟ وما فيه؟ فأجابتهم بالجوابين (٢). وقرأ عبد الله : «وإنه من سليمان» بزيادة واو عاطفة (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) على قوله : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ)(٣). وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة بفتح الهمزتين ، صرح بذلك الزمخشري (٤) وغيره (٥). ولم يذكر أبو البقاء إلا الكسر في (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) وكأنه سكت عن الثانية ، لأنها معطوفة على الأولى (٦) ، وفي تخريج الفتح فيهما أوجه :
أحدهما : أنه بدل من «كتاب» (٧) بدل اشتمال ، أو بدل كلّ من كلّ ، كأنه قيل : ألقي إليّ أنه من سليمان (٨) ، وأنه كذا وكذا ، وهذا هو الأصح.
والثاني : أنه مرفوع ب «كريم» ذكره أبو البقاء (٩).
الثالث : أنه على إسقاط حرف العلة.
قال الزمخشري : ويجوز أن يريد لأنه من سليمان ولأنه ، كأنها عللت كرمه بكونه
__________________
(١) في ب : منقلبون. وهو تحريف.
(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤١.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٤١ ، البحر المحيط ٧ / ٧٢.
(٤) نص على ذلك الزمخشري دون عزو إلى قارىء معين فإنه قال : (وقرىء «إنه من سليمان وأنه» بالفتح) الكشاف ٣ / ١٤١.
(٥) انظر المختصر لابن خالويه (١٠٩) حيث عزاها إلى عكرمة فقط ، وعزاها أبو حيان إلى من نص عليه ابن عادل. البحر المحيط ٧ / ٧٢ ، وأجاز الفراء الفتح ولم ينص على أنها قراءة ، معاني القرآن ٢ / ٢٩١.
(٦) قال أبو البقاء : (قوله تعالى : «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ» بالكسر على الاستئناف وبالفتح بدلا من «كتاب» أو مرفوع ب «كريم») التبيان ٢ / ١٠٠٨.
(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٤١ ، التبيان ٢ / ١٠٠٨.
(٨) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩١.
(٩) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٨.