من سليمان وتصديره باسم الله (١). وقال مكي : وأجاز الفراء الفتح فيهما في الكلام ، كأنه لم يطلع على أنها قراءة (٢) وقرأ أبيّ : أن من سليمان وأن بسم الله بسكون النون فيهما (٣) ، وفيها وجهان :
أظهرهما : أنها «أن» المفسرة ، لتقدم ما هو بمعنى القول (٤).
والثاني : أنها المخففة (٥) واسمها محذوف ، وهذا لا يتمشى على أصول البصريين ؛ لأن اسمها لا يكون إلا ضمير شأن وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزئيها (٦).
فصل
قال المفسرون : أخذ الهدهد هذا الكتاب ، وأتى به إلى (٧) بلقيس ، وكان بأرض يقال لها : «مأرب» من صنعاء ، فرمى بالكتاب (٨) إليها ، فأخذته بلقيس ، وكانت قارئة ، ومن ثم اتخذ (٩) الناس البطائق ، فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت ، لأن ملك سليمان كان في خاتمه ، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها ، لطاعة الطير وهيبة الخاتم ، فقرأت (١٠) الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد ، فقعدت على سرير ملكها ، وجمعت الملأ من قومها ، وقالت لهم : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ)(١١). قال عطاء والضحاك : سمته كريما ، لأنه كان مختوما (١٢).
وروى (١٣) ابن عباس عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «كرمه ختمه» (١٤). وقال مقاتل والزجاج : كريم أي : حسن ما فيه (١٥) ، وروي عن ابن عباس أي : شريف لشرف صاحبه (١٦).
وقيل سمته كريما ، لأنه مصدر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(١٧) ، ثم بينت ممن الكتاب ، فقالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ، وبينت المكتوب فقالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فإن قيل : لم قدم سليمان اسمه على قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟
__________________
(١) الكشاف ٣ / ١٤١ ، وقال الفراء : (وإن شئت كانتا في موضع نصب لسقوط الخافض منهما) معاني القرآن ٢ / ٢٩١.
(٢) مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٨.
(٣) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩١ ، المختصر (١٠٩) ، الكشاف ٣ / ١٤١ ، البحر المحيط ٧ / ٧٢.
(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٤١ ، البحر المحيط ٧ / ٧٢.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٢.
(٦) انظر الهمع ١ / ١٤٢.
(٧) إلى : سقط من ب.
(٨) في ب : الكتاب.
(٩) في ب : أخذ.
(١٠) في ب : فقرأ. وهو تحريف.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٧٦.
(١٢) المرجع السابق.
(١٣) في ب : وروى عن.
(١٤) انظر البغوي ٦ / ٢٧٦.
(١٥) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١١٧.
(١٦) انظر البغوي ٦ / ٢٧٦.
(١٧) المرجع السابق.