وقد تقدم ذلك محققا في أول الفاتحة (١).
قوله (٢) «أأشكر» معلق «ليبلوني» ، وأم متصلة (٣) ، وكذلك قوله : (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ)(٤). قوله : (وَمَنْ شَكَرَ ... وَمَنْ كَفَرَ) يحتمل أن تكون «من» شرطية ، أو موصولة مضمّنة معنى الشرط ، فلذلك دخلت الفاء في الخبر ، والظاهر أن جواب الشرط : الثاني ، أو خبر الموصول قوله : (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) ولا بد حينئذ من ضمير يعود على «من» تقديره (٥) غني عن شكره ، وقيل الجواب محذوف تقديره : فإنما كفر عليه ، لدلالة مقابله ، وهو قوله (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) عليه (٦).
فصل
تقدم معنى الابتلاء ، وقوله : أشكر نعمته أم أكفرها فلا أشكرها ، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ، أي : يعود نفع شكره إليه وهو أن يستوجب به تمام النعمة ودوامها ، لأن الشكر قيد (٧) النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة ، ومن كفر فإن ربي غني (٨) عن شكره كريم بالإفضال على من يكفر نعمه(٩).
قوله تعالى : (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) (٤٣)
قوله تعالى : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) أي : غيّروا لها سريرها إلى حال تنكره إذا رأته ، وذلك أنه إذا ترك على حاله عرفته لا محالة. وإذا غيّر دلت معرفتها على فضل عقل.
قوله : «ننظر» العامة على جزمه جوابا للأمر قبله ، وأبو حيوة بالرفع (١٠) ، جعله استئنافا(١١).
فصل
روي أنه جعل أسفله أعلاه ، وأعلاه أسفله ، وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ،
__________________
(١) عند قوله تعالى :«الْحَمْدُ لِلَّهِ»[الفاتحة : ٢].
(٢) قوله : سقط من الأصل.
(٣) قال الأخفش : (أي : لينظر أأشكر أم أكفر ، كقولك : جئت لأنظر أزيد أفضل أم عمرو) معاني القرآن ٢ / ٦٥٠ ، وانظر أيضا التبيان ٢ / ١٠٠٩ ، البحر المحيط ٧ / ٧٧ ـ ٧٨.
(٤) في ب : ... أم تكون من الذين لا يهتدون.
(٥) في ب : يقدره.
(٦) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٨.
(٧) في ب : قيل.
(٨) في الأصل : غني حميد.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٨٤.
(١٠) المختصر (١١٠) ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢١٢ ، البحر المحيط ٧ / ٨٧.
(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٤٤ ، التيان ٢ / ١٠٠٩ ، البحر المحيط ٧ / ٨٧.