قوله : (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) يعبدون الشمس ، والعامة على كسر «إنّها» استئنافا وتعليلا. وقرأ سعيد بن جبير وأبو حيوة بالفتح (١) ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنها بدل من (ما كانَتْ تَعْبُدُ) أي : وصدّها (إِنَّها كانَتْ)(٢).
والثاني : أنها على إسقاط حرف العلة ، أي : لأنّها (٣) ، فهي قريبة من قراءة العامة.
قوله تعالى : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤٤)
قوله : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) تقدّم الخلاف في الظرف الواقع بعد «دخل» هل هو منصوب على الظرف ، وشذّ ذلك مع دخل خاصة ـ كما قاله سيبويه (٤) ـ أو مفعول به كهديت البيت كما قاله الأخفش (٥). والصّرح : القصر ، أو صحن الدار ، أو بلاط متخذ من زجاج وأصله من التصريح ، وهو الكشف ، وكذب «صراح» ، أي : ظاهر مكشوف ، ولوم صراح. والصريح مقابل الكناية ، لظهوره واستتار ضده. وقيل : الصريح الخالص من قولهم : لبن صريح بيّن الصراحة والصروحة(٦). وقال الراغب : الصّرح بيت عال مزوّق ، سمي بذلك اعتبارا بكونه صرحا عن البيوت ، أي : خالصا(٧).
قوله : «ساقيها» العامة على ألف صريحة ، وقنبل روى همزها عن ابن كثير (٨) ، وضعّفها أبو علي (٩) ، وكذلك فعل قنبل في جمع ساق في : ص ، وفي الفتح ، همز واوه ، فقرأ «بالسّؤق والأغناق» (١٠) ، (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) [الفتح : ٢٨] بهمزة مكان الواو ، وعنه وجه آخر : السّؤوق ، وسؤوقه ـ بزيادة واو بعد الهمز (١١) ـ ، وروي عنه أنه كان يهمزه مفردا في قوله : (يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ)(١٢) [القلم : ٤٢] فأما همزة الواو ففيها أوجه :
__________________
(١) المختصر (١١٠) تفسير ابن عطية ١١ / ٢١٣ ، البحر المحيط ٧ / ٧٩.
(٢) في ب : كانت تعبد.
(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٩ ، الكشاف ٣ / ١٤٥ ، البيان ٢ / ٢٢٣ ، التبيان ٢ / ١٠٠٩ ، البحر المحيط ٧ / ٧٩.
(٤) قال سيبويه : (وقد قال بعضهم : ذهبت الشام ، يشبه بالمبهم ، إذ كان مكانا يقع عليه المكان والمذهب.
وهذا شاذ ، لأنه ليس في ذهب دليل على الشام ، وفيه دليل على المذهب والمكان ، ومثل ذهبت الشام : دخلت البيت) الكتاب ١ / ٣٥.
(٥) عند حديثه عن قوله تعالى :«إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ»[البقرة : ١٣٠].
(٦) انظر اللسان (صرح).
(٧) المفردات في غريب القرآن (٢٧٩).
(٨) السبعة (٤٨٣) ، الكشف ٢ / ١٦٠ ـ ١٦١ ، النشر (٣٣٨) ، الإتحاف (٣٣٧).
(٩) قال أبو علي : (أما الهمز في «ساقيها» و «ساق» فلا وجه له) انظر الحجة ٦ / ٦٨.
(١٠) من قوله تعالى : «فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ» [ص : ٣٣].
(١١) انظر السبعة (٥٥٣ ـ ٥٥٤) (٦٠٥).
(١٢) تفسير ابن عطية ١١ / ٢١٤ ، البحر المحيط ٧ / ٧٩.