لوازمه ، أو لأنه يشبهه في كونه مكروها. وأمّا وصف الرحمة بأنّها حسنة ، فقيل : حقيقة ، وقيل : مجاز (١). ثم إن صالحا عليهالسلام (٢) لما قرّر هذا الكلام الحقّ أجابوه بكلام فاسد ، فقالوا (اطَّيَّرْنا بِكَ) أي : تشاءمنا بك ، لأنّ الذي يصيبنا من شدة وقحط شؤمك وشؤم من معك (٣). وقرىء : «تطيرنا بك» (٤) ، وهو الأصل ، وأدغم ، وتقدّم تقريره (٥) ، قال الزمخشري : كان الرجل يخرج مسافرا فيمرّ بطائر فيزجره ، فإن مرّ سانحا (٦) تيمّن ، وإن مرّ بارحا تشاءم (٧) ، فلمّا نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان للخير والشر ، وهو قدر الله (٨) وقسمته ، فأجاب صالح ـ عليهالسلام (٩) ـ بقوله : طائركم عند الله ، أي السبب الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله ، وهو قضاؤه وقدره وهو مكتوب عليكم (١٠). سمي طائرا لسرعة نزوله بالإنسان ، لأنّه لا شيء أسرع من قضاء محتوم. قال ابن عباس : الشؤم أتاكم من عند الله بكفركم (١١). وقيل طائركم : عملكم عند الله (١٢) ، سمي طائرا لسرعة صعوده إلى السماء ، وقيل : إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم ، وقيل : لأنه أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا (١٣).
قوله : «تفتنون» جاء بالخطاب (١٤) مراعاة لتقدّم الضمير ، ولو روعي ما بعده لقيل «يفتنون» بياء الغيبة ، وهو جائز ولكنه مرجوح ، ويقول : أنت رجل يفعل وتفعل بالياء والتاء ، ونحن قوم نقرأ ويقرأون (١٥). والمراد من هذا الكلام أن صالحا ـ عليهالسلام (١٦) ـ بين بهذا الكلام جهلهم بقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) ، فيحتمل أن غيرهم دعاهم إلى هذا القول ، ويحتمل أن المراد أن الشيطان يفتنكم بوسوسته.
وقال (١٧) ابن عباس : يختبرون بالخير والشر كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: ٣٥] ، وقال محمد بن كعب : يعذبون (١٨).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٢.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.
(٤) لم تعز إلى من قرأ بها. انظر الكشاف ٣ / ١٤٦ ، البحر المحيط ٧ / ٨٢.
(٥) عند قوله تعالى : «وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ»[الأعراف : ١٣١].
(٦) سانحا : تكملة من الكشاف.
(٧) السانح : ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك. والبارح : ما أتاك من ذلك عن يسارك.
انظر اللسان (سنح).
(٨) في ب : وهو قضاؤه وقدره الله.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) الكشاف ٣ / ١٤٥ ـ ١٤٦. بتصرف.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٩١.
(١٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤٦.
(١٣) في ب : فقحطوا. وانظر البغوي ٦ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.
(١٤) في ب : الخطاب.
(١٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٣.
(١٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٧) في ب : قال.
(١٨) انظر البغوي ٦ / ٢٩١.