قوله : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) يعني : مدينة ثمود ، والأكثر أن يتميز ، والعدد مجرور ب «من» ، كقوله : (أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(١) وفي المسألة مذاهب :
أحدها : أنه لا يجوز إلا في قليل.
الثاني : أنه يجوز ولكن لا ينقاس.
الثالث : التفصيل بين أن تكون للقلة كرهط ونفر ، فيجوز ، أو للكثرة فقط ، أو لها وللقلة فلا يجوز نحو : تسعة قوم (٢). ونص سيبويه على امتناع ثلاث (٣) غنم (٤).
قال الزمخشري : وإنما جاز تمييز التسعة بالرهط ، لأنه في معنى الجمع ، كأنه قيل : تسعة أنفس(٥). قال أبو حيان : وتقدير غيره (٦) تسعة رجال هو الأولى (٧) ؛ لأنه من حيث أضاف إلى أنفس كان ينبغي أن يقول : تسع أنفس ـ على تأنيث النفس ـ إذ الفصيح فيها التأنيث ، ألا تراهم عدوا من الشذوذ قول الشاعر :
٣٩٦٨ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود (٨)(٩)
قال شهاب الدين : وإنما أراد تفسير المعنى (١٠). وقال ابن الخطيب : والأقرب أن يكون المراد تسعة جمع ؛ إذ الظاهر من الرهط الجماعة لا الواحد ، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد ، لاختلاف وصفهم وأحوالهم ، لا لاختلاف النسب (١١).
قوله : «يفسدون» يجوز أن يكون نعتا للمعدود أو (١٢) العدد ، فيكون في موضع جر أو رفع(١٣).
قوله : (وَلا يُصْلِحُونَ) قيل : مؤكد للأول ، وقيل : ليس مؤكدا ؛ لأن بعض المفسدين قد يصلح في وقت ما ، فأخبر عن هؤلاء بانتفاء توهم ذلك (١٤) ، وهم الذين اتفقوا على عقر الناقة ، وهم غواة قوم صالح ، ورأسهم : قدار بن سالف ، وهو عاقر الناقة (١٥).
__________________
(١) من قوله تعالى : «قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ» [البقرة : ٢٦٠].
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٣ ، التصريح ٢ / ٢٧٠ ، الهمع ١ / ٢٥٣ ، الأشموني ٤ / ٥.
(٣) في النسختين : ثلاثة. والصواب ما أثبته.
(٤) انظر الكتاب ٣ / ٥٦٢.
(٥) الكشاف ٣ / ١٤٦.
(٦) وهو ابن عطية. انظر تفسيره ١١ / ٢١٨.
(٧) في ب : الأول. وهو تحريف.
(٨) صدر بيت من بحر الوافر ، قاله الحطيئة ، وعجزه :
لقد جار الزّمان على عيالي
وقد تقدم.
(٩) البحر المحيط ٧ / ٨٣.
(١٠) الدر المصون ٥ / ١٩٩.
(١١) الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٣ ، وفيه : السبب.
(١٢) في ب : و.
(١٣) انظر التبيان ٢ / ١٠١٠ ، البحر المحيط ٧ / ٨٣.
(١٤) انظر الكشاف ٣ / ١٤٦ ، البحر المحيط ٧ / ٨٣.
(١٥) انظر البغوي ٦ / ٢٩١.