فيما بعده جوابا لسؤال مقدر (١). وقد تابع (٢) الزمخشريّ أبو البقاء على ذلك فقال : «تقاسموا» فيه وجهان :
أحدهما : هو أمر (٣) أي : أمر بعضهم بذلك بعضا ، فعلى هذا يجوز في «لنبيّتنّه» النون بتقدير: قولوا لنبيّتنّه ، والتاء على خطاب الأمر المأمور ، ولا يجوز التاء.
والثاني : هو فعل ماض ، وعلى هذا يجوز الأوجه الثلاثة (٤). يعني بالأوجه : النون والتاء والياء ، قال (٥) : وهو على هذا تفسير (٦) ، أي : و (٧) تقاسموا على كونه ماضيا مفسّرا لنفس «قالوا» وقد سبقهما إلى ذلك مكي (٨) ـ رحمهالله ـ وتقدم توجيه ما منعوه ولله الحمد ، وتنزيل هذه الأوجه بعضها على بعض مما يصعب استخراجه من كلام القوم ، وتقدّم الكلام في (مَهْلِكَ أَهْلِهِ) في الكهف (٩).
فصل
من جعله (١٠) أمرا فموضع «تقاسموا» جزم على الأمر ، أي : احلفوا (١١) ، ومن جعله فعلا ماضيا (١٢) فمحله نصب أي : تحالفوا وتوافقوا لنبيتّنه لنقتلنه ، بياتا أي : ليلا ، وأهله : أي : قومه الذين أسلموا معه ، (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) : أي لولي دمه ، (ما شَهِدْنا) ما حضرنا ، (مَهْلِكَ أَهْلِهِ) إهلاكهم ، ولا ندري من قتله ، ومن فتح الميم فمعناه : هلاك أهله ، (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) : في قولنا ما شهدنا ذلك (١٣).
قوله : (وَمَكَرُوا مَكْراً) غدروا غدرا حين قصدوا تبييت صالح والفتك به ، (وَمَكَرْنا مَكْراً) جازيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فشبّه إهلاكهم من حيث لا يشعرون بمكر الماكر على سبيل الاستعارة (١٤). وقيل : انّ الله تعالى أخبر صالحا بمكرهم فتحرز عنهم ، فذلك مكر الله في حقهم (١٥).
قوله : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) : قرأ الكوفيون (١٦) بفتح «أنّا» ، والباقون بالكسر (١٧) ، فالفتح من أوجه :
__________________
(١) الدر المصون ٥ / ٢٠٠.
(٢) في ب : بالغ. وهو تحريف.
(٣) في ب : أمرا. وهو تحريف.
(٤) التبيان ٢ / ١٠١٠.
(٥) هو أبو البقاء.
(٦) التبيان ٢ / ١٠١٠.
(٧) و : سقط من ب.
(٨) انظر الكشف ٢ / «١٦٢. ومشكل إعراب القرآن ٢ / ١٥٠ ـ ١٥١.
(٩) عند قوله تعالى : «وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً» [الكهف : ٥٩].
(١٠) في ب : من جعل تقاسموا.
(١١) في الأصل : اختلفوا.
(١٢) في الأصل : ماضيا تقاسموا.
(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٩٢.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٣.
(١٥) المرجع السابق.
(١٦) وهم : عاصم وحمزة والكسائي.
(١٧) السبعة (٤٨٣ ـ ٤٨٤) ، الكشف ٢ / ١٦٣ ، النشر ٢ / ٣٣٨ ، الإتحاف (٣٣٨).