«ذات» ، لأنه بمعنى جماعة حدائق ذات بهجة كما تقول (١) : النساء ذهبت ، و «البهجة» : الحسن ، لأن حسّ الناظر يبتهج به (٢). وقرأ ابن أبي عبلة : «ذوات بهجة» بالجمع ، وفتح هاء «بهجة» (٣). قوله : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا) ، (أَنْ تُنْبِتُوا) اسم كان و «لكم» خبر مقدم ، والجملة المنفية يجوز أن تكون صفة ل «حدائق» (٤) ، وأن تكون حالا : لتخصصها بالصفة.
قوله : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) استفهام بمعنى الإنكار ، هل معبود سواه أعانه على صنعه ، بل ليس معه إله ، وقرىء : أإلها مع الله ، أي : تدعون أو تشركون (٥) ، (بَلْ هُمْ قَوْمٌ) : يعني كفار مكة ، يعدلون : يشركون ، أي : يعدلون بالله (٦) سواه ، وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر ، ونظير هذه الآية أول سورة الأنعام (٧).
قوله تعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(٦٢)
قوله : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) ، قال الزمخشري : «أمّن» وما بعده بدل من (أَمَّنْ خَلَقَ) ، وحكمها حكمه (٨). ومعنى قرارا : لا تميد بأهلها (٩) ، فإنها لو كانت متحركة لما استقر أحد بالسكنى على الأرض. قوله : «خلالها» : يجوز أن يكون ظرفا ، ل «جعل» بمعنى خلق المتعدية لواحد ، وأن يكون في محلّ المفعول الثاني (١٠) على أنها بمعنى صيّر ، وخلالها (١١) : وسطها أنهارا. واعلم (١٢) أنّ المياه المنبعثة في الأرض أربعة :
الأوّل : مياه العيون السيالة ، قال ابن الخطيب : وهي تنبعث من أبخرة كثيرة المادة قوية الاندفاع تفجر الأرض بقوة (١٣).
الثاني : ماء العيون الراكدة ، وهي تحدث من أبخرة بلغت قوتها إلى وجه الأرض ، ولم يبلغ من قوتها وكثرة مادتها أن يطرد (تاليها سابقها) (١٤).
__________________
(١) في ب : يقال.
(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤٨.
(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٩.
(٤) انظر التبيان ٢ / ١٠١٢. وفي ب : الحدائق.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٤٨ ، البحر المحيط ٧ / ٨٩ ، وفيهما : أتدعون أو أتشركون.
(٦) في ب : الله.
(٧) وهو قوله تعالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» [١]. انظر اللباب ٣ / ٣٧١.
(٨) الكشاف ٣ / ١٤٨.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٩٦.
(١٠) انظر التبيان ٢ / ١٠١٢.
(١١) في ب : وإخلالها.
(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٧.
(١٣) الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٧.
(١٤) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.