عدل موسى ـ عليهالسلام (١) ـ إلى جواب ممكن ، فأجاب بصفاته تعالى ، وخصّ تلك الصفات (٢) لأنه لا يشاركه فيها أحد ، وفيه إبطال لدعواه أنه إله (٣).
وقيل : جهل السؤال فأتى ب «ما» دون «من». وليس بشيء (٤).
وقيل : إنما سأل عن الصفات ، ذكره أبو البقاء (٥).
وليس بشيء ، لأن أهل البيان نصّوا على أنها يطلب بها الماهيات (٦) ، وقد جاء ب «من» في قوله : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) [طه : ٤٩].
فصل
اعلم أن فرعون لم يقل : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) إلا وقد دعاه موسى إلى طاعة رب العالمين ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء: ١٦] فلا بد من أنهما قالا ذلك حين دخلا عليه ، فعند ذلك قال فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)(٧) يقول : أيّ شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله إليّ يستوصفه إلاهه الذي أرسل إليه؟ وهو سؤال عن جنس الشيء ، والله منزّه عن الجنسية. فأجابه موسى ـ عليهالسلام (٨) ـ بذكر أفعاله التي يعجز الخلق عن الإتيان بمثلها ، فقال : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أنه خلقها.
قال أهل المعاني : كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينوها ، فأيقنوا أن إله الخلق هو الله عزوجل(٩).
قوله : (وَما بَيْنَهُمَا) عاد ضمير التثنية على جمعين اعتبارا بالجنسين ، كما فعل ذلك في قوله:
٣٩٠١ ـ بين رماحي مالك ونهشل (١٠)
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) أي : «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...» *.
(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ١٢.
(٤) قال أبو البقاء : (وقيل : جهل حقيقة السؤال ، فجاء موسى بحقيقة الجواب) التبيان ٢ / ٩٩٥.
(٥) قال أبو البقاء : (إنما جاء ب «ما» لأنه سأل عن صفاته وأفعاله ، أي : ما صفته؟ وما أفعاله؟ ولو أراد العين لقال : «من» ، ولذلك أجابه موسى ـ عليهالسلام ـ بقوله : «رَبِّ الْعالَمِينَ» (*) التبيان ٢ / ٩٩٥.
(٦) ماهية الشيء : حقيقته ، وتطلق غالبا على الأمر المتعقل ، مثل المتعقل من الإنسان وهو الحيوان الناطق مع قطع النظر عن الوجود الخارجي ، والأمر المتعقل من حيث إنه مقول في جواب ما هو؟ يسمى ماهيّة ... التعريفات ١٩٥.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٧.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٢١٠ ـ ٢١١. الإيضاح (١٣٨).
(١٠) من الرجز ، قاله أبو النجم العجلي ، وقبله : تبقلت من أول التبقّل. وهو في ابن يعيش ٤ / ١٥٣ ، ١٥٥ ، اللسان (بقل) ، البحر المحيط ٧ / ١٢ ، شرح شواهد الشافية ٤ / ٣١٢. مالك : قبيلة من هوازن. نهشل : قبيلة من ربيعة. الشاهد فيه أنه جعل رماح مالك جنسا ، ورماح نهشل جنسا آخر فقال : رماحي بالتثنية.