المعنى إلى قولك : إن كان الله ممن في السموات والأرض ، فهم يعلمون الغيب يعني أن علمهم الغيب ـ في استحالته ـ كاستحالة أن يكون الله منهم ، كما أن معن ى «ما في البيت» إن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس بتّا للقول بخلوها من الأنيس. فإن قلت : هلا زعمت أن الله ممن في السموات والأرض ، كما يقول المتكلمون : «إن الله في كل مكان» على معنى : أن علمه في الأماكن كلها ، فكأن ذاته فيها حتى لا يحمل على مذهب بني تميم؟ قلت : يأبي ذلك أن كونه في السموات والأرض مجاز ، وكونهم فيهن حقيقة ، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازا غير صحيح ، على أن قولك : من في السموات والأرض ، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد فيه إيهام وتسوية ، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته ، ألا ترى كيف قال عليهالسلام (١) لمن قال : ومن يعصهما فقد غوى : «بئس خطيب القوم أنت (٢)» (٣).
فقد رجح الانقطاع ، واعتذر عن ارتكاب مذهب التميميين بما ذكر ، وأكثر العلماء أنه لا يجمع بين الحقيقة والمجاز (٤) في كلمة واحدة ، وقد قال به الشافعي.
فصل
نزلت هذه الآية في المشركين ، حيث سألوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن وقت قيام الساعة (٥). و (ما يَشْعُرُونَ) صفة لأهل السموات والأرض نفى أن يكون لهم علم بالغيب ، وذكر في جملة الغيب: متى (٦) البعث ؛ بقوله : (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ، و «أيّان» بمعنى متى (٧) ، وهي كلمة مركبة من : أي والآن ، وهو (٨) الوقت. وقرىء : «إيّان» بكسر
__________________
ـ ١٤٤ ، الأشموني ٢ / ١٤٧ ، الخزانة ١٠ / ١٥ ، الدرر ١ / ١٩٢ ، ٢ / ٢٠٢ ، الواو في (وبلدة) واو (رب) ، و (بلدة) مجرورة ب (رب) المحذوفة. والبلدة : القطعة من الأرض ، ومطلق الأرض. الأنيس : من يؤنس به من الناس اليعافير : جمع يعفور ، وهو ولد الظبية ، وولد البقرة الوحشية أيضا. وقال بعضهم : اليعفور : تيس الظباء.
والعيس : إبل بيض يخالط بياضها شقرة ، جمع أعيس ، والأنثى عيساء. والشاهد فيه قوله : (إلا اليعافير وإلا العيس) بالرفع بدل من (أنيس) وإن لم يكن من جنسه على لغة بني تميم ، وأهل الحجاز يوجبون في هذا النصب.
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) أخرجه مسلم (جمعة) ٢ / ٥٩٤ ، أبو داود (صلاة) ١ / ٦٦٠ ، النسائي (نكاح) ٦ / ٩٠ ، أحمد ٤ / ٢٥٦ ، ٣٧٩.
(٣) الكشاف ٣ / ١٤٩ ـ ١٥٠.
(٤) الحقيقة لغة : ذات الشيء اللازمة له ، وفي الاصطلاح : اللفظ المستعمل فيما وضع له في الاصطلاح الذي به التخاطب ، ولها أقسام بحسب الوضع. والمجاز لغة : اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في الاصطلاح الذي به التخاطب لعلاقة ما ، وله أقسام. انظر الإيضاح ٢٧٢ ـ ٢٧٤.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٣٠٠.
(٦) في ب : من. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢١١.
(٨) في ب : وهي.