وقال مقاتل : بل (١) علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكّوا وعموا عنه في الدنيا ، كقوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) ، أي هم اليوم في شك من الساعة (٢). وعلى قراءة «ادّارك» : تتابع (٣) علمهم في الآخرة أنها كائنة «و (هُمْ فِي شَكٍّ) في وقتهم (٤). وقيل استفهام معناه : هل تدارك وتتابع بذلك في الآخرة يعني لم يتتابع ، وضلّ وغاب علمهم به ، فلم يبلغوه ولم يدركوه ، لأنّ في الاستفهام ضربا من الجحد (٥). وقال علي بن عيسى : بل ههنا لو أدركوا في الدنيا ما أدركوا في الآخرة لم يشكّوا بل هم منها عمون جمع عم ، وهو الأعمى القلب (٦).
قوله تعالى :(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٧٥)
قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني مشركي مكة ، «أئذا» تقدم الكلام في الاستفهامين إذا اجتمعا في سورة الرعد (٧). والعامل في «إذا» محذوف يدلّ عليه «لمخرجون» تقديره : نبعث ونخرج ، ولا يجوز أن يعمل فيها «مخرجون» لثلاثة موانع : الاستفهام ، وأنّ ، ولام الابتداء ، وفي لام الابتداء في خبر إنّ خلاف (٨) ، وذكر الزمخشري هنا عبارة حلوة ، فقال : لأنّ بين يدي عمل اسم الفاعل فيه عقابا ، وهي همزة الاستفهام ، وإن ، ولام الابتداء ، وواحدة منها كافية ، فكيف إذا اجتمعن (٩)؟ وقال أيضا: فإن قلت : لم قدّم في هذه الآية «هذا» على (نَحْنُ وَآباؤُنا) وفي آية أخرى قدّم (نَحْنُ وَآباؤُنا)(١٠) على «هذا»؟ قلت : التقديم دليل على أن المقدّم هو المعنى المعتمد بالذكر وأن الكلام إنّما سيق لأجله ، ففي إحدى الآيتين دلّ على اتخاذ البعث الذي هو يعمد بالكلام ، وفي الأخرى
__________________
(١) بل : سقط من ب.
(٢) انظر البغوي ٦ / ٣٠١.
(٣) في ب : يبالغ.
(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٠١.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٣٠١ ـ ٣٠٢.
(٦) المرجع السابق ٦ / ٣٠٢.
(٧) يشير إلى قوله تعالى : «وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً» [٥].
(٨) انظر الهمع ١ / ١٤٠.
(٩) الكشاف ٣ / ١٥١. وقول الزمخشري : عمل اسم الفاعل. فيه نظر ، لأن الذي في الآية اسم مفعول هو «لمخرجون».
(١٠) يشير إلى قوله تعالى «لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» [المؤمنون : ٨٣].