قوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ) العامة على ضم تاء المضارعة من : أكنّ ، قال تعالى : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ)(١) ، وابن محيصن وابن السميفع وحميد بفتحها وضم الكاف (٢) ، يقال : كننته وأكننته ، بمعنى : أخفيت وسترت (٣).
قوله : (وَما مِنْ غائِبَةٍ) في هذه التاء قولان :
أحدهما : أنّها للمبالغة ، كراوية وعلّامة ، وقولهم : ويل للشاعر من رواية السوء ، كأنه تعالى قال : وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله (٤).
والثاني : أنها كالتاء الداخلة على المصادر نحو : العافية والعاقية ، قال الزمخشري : ونظيرها الذبيحة والنطيحة والرّمية في أنها أسماء غير صفات (٥). (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي : في اللوح المحفوظ والمبين : الظاهر المبين لمن ينظر فيه من الملائكة.
قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ)(٨١)
قوله (٦) : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ) الآية ، لما تمّم الكلام في إثبات المبدأ والمعاد ، ذكر بعده ما يتعلق بالنبوة ، ولمّا كانت العمدة (٧) الكبرى في إثبات نبوة (٨) محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هي القرآن لا جرم بيّن الله تعالى أولا كونه معجزة من وجوه :
أحدها : أنّ الأقاصيص المذكورة في القرآن موافقة للمذكور في التوراة والإنجيل ، مع العلم بأنه ـ عليهالسلام (٩) ـ كان أمّيّا ـ ولم يخالط العلماء ، ولم يشتغل بالاستفادة والتعلّم ، فإذن لا يكون ذلك إلّا من قبل الله تعالى ، وأراد ما اختلفوا فيه وتباينوا ، وقيل ما حرّفه (١٠) بعضهم ، وقيل : إخبار الأنبياء.
وثانيها : قوله (وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، وذلك لأنّا تأملنا في القرآن فوجدنا فيه من الدلائل العقلية على التوحيد والحشر والنشر والنبوّة وشرح صفات الله ما لم نجده
__________________
(١) من قوله تعالى : «أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ»[البقرة : ٢٣٥].
(٢) المختصر (١١٠) ، المحتسب ٢ / ١٤٤ ، الكشاف ٣ / ١٥١ ، البحر المحيط ٧ / ٩٥.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٥١ ، البحر المحيط ٧ / ٩٥.
(٤) المرجعان السابقان.
(٥) الكشاف ٣ / ١٥٢.
(٦) في ب : قوله تعالى.
(٧) في ب : العهدة. وهو تحريف.
(٨) نبوة : سقط من ب.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) في النسختين : ما حرم على. والتصويب من الفخر الرازي.