ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٩٣)
قوله : (إِنَّما أُمِرْتُ) أي : قل يا محمد إنما أمرت (أي : أمرت) (١) أن أخص الله وحده بالعبادة ، ثم إنه تعالى وصف نفسه بأمرين :
أحدهما : أنه رب هذه البلدة ، والمراد مكة ، وإنما خصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه ، وأشار إليها إشارة تعظيم لها دالّا على أنها وطن نبيه ومهبط وحيه(٢).
قوله : (الَّذِي حَرَّمَها) هذه قراءة الجمهور صفة للربّ ، وابن مسعود وابن عباس «الّتي» صفة للبلدة (٣) ، والسياق إنما هو للرب لا للبلدة ، فلذلك (٤) كانت قراءة (٥) العامة واضحة. والمعنى : جعلها الله حرما آمنا لا يسفك فيها دم (٦) ، ولا يظلم فيها أحد (٧) ، ولا يصطاد صيدها ولا يختلأ خلاؤها ، وله كل شيء خلقا وملكا ، وإنما ذكر ذلك لأن العرب كانوا معترفين (٨) بكون مكة محرمة ، وعلموا أن تلك الفضيلة ليست من الأصنام بل من الله فكأنه قال : لما علمت وعلمتهم أنه سبحانه هو المتولي (٩) لهذه النعم وجب عليّ أن أخصه بالعبادات ، و (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لله(١٠).
قوله : (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) العامة على إثبات الواو بعد اللام ، وفيها تأويلان :
أظهرهما : أنه من التلاوة وهي القراءة ، وما بعده يلائمه.
والثاني : من التلو وهو الاتباع (١١) كقوله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) [يونس : ١٠٩].
وقرأ عبد الله : «وأن اتل» أمرا له (١٢) عليهالسلام (١٣) ، ف «أن» يجوز أن تكون المفسرة وأن تكون المصدرية ، وصلت بالأمر (١٤) ، وتقدم ما فيه.
فصل
المعنى : وأمرت أن أتلو القرآن ، ولقد قام بذلك صلوات الله عليه وسلامه أتم قيام (فَمَنِ اهْتَدى) فيما تقدم من المسائل ، وهي التوحيد والحشر والنبوة ، (فَإِنَّما يَهْتَدِي
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢٢.
(٣) انظر المختصر (١١١) ، التبيان ٢ / ١٠١٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٢.
(٤) في ب : فلهذا.
(٥) قراءة : سقط من الأصل.
(٦) في ب : دما.
(٧) في ب : أحدا.
(٨) في ب : بمعترفين.
(٩) في ب : الولي.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢٢.
(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٥٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٢.
(١٢) المختصر (١١١) ، البحر المحيط ٧ / ١٠٢ ، وفي ب : أمر.
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٤) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٢.