(٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ)(٣٧)
قوله تعالى : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ). واعلم أن قوله : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) يدل على أن الله تعالى عرفه قبل إلقاء العصا بأنها تصير ثعبانا ، فلذلك (١) قال ما قال ، فلما ألقى موسى (٢) عصاه وصارت ثعبانا ، روي أنها لما انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ، ثم انحطت مقبلة إلى فرعون تقول : يا موسى ، مرني بما شئت ، ويقول فرعون : (يا موسى) (٣) أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها ، فأخذها فعادت عصا (٤). فإن قيل : كيف قال : (ثُعْبانٌ مُبِينٌ) وفي آية أخرى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [طه : ٢٠] وفي آية ثالثة : (كَأَنَّها جَانٌ) [القصص : ٣١] والجانّ مائل إلى الصغر ، والثعبان إلى الكبر؟
فالجواب : أن الحية اسم الجنس ، ثم لكبرها صارت ثعبانا ، وشبهها بالجانّ لخفتها ، وسرعتها (٥) ، فصح الكلامان. ويحتمل أنه شبهها بالشيطان لقوله : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) [الحجر : ٢٧]. ويحتمل أنها كانت صغيرة كالجانّ ثم عظمت فصارت ثعبانا (٦) ثم إن موسى ـ عليهالسلام (٧) ـ لما أراه آية العصا قال فرعون : «هل غيرها»؟ قال : نعم ، فأراه يده ، ثم أدخلها جيبه ، ثم أخرجها (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) تضيء الوادي من شدة بياضها من غير برص ، لها شعاع كشعاع الشمس. فعند هذا أراد فرعون تعمية هذه الحجة على قومه فذكر أمورا :
أحدها : قال لهم : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) وكان زمانهم زمان السحرة ، فأوهمهم أن هذا كبير من السحرة.
وثانيها : قال : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) وهذا موجب للتنفير عنه لئلا يقبلوا قوله ، والمعنى : يفرق جمعكم بما يلقيه من العداوة بينكم (٨) ، ومفارقة الوطن أصعب الأمور ، وهذا نهاية ما يفعله المضل المنفر عن المحق.
وثالثها : قوله : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) أي : ما رأيكم فيه ، فأظهر لهم من نفسه أني متبع لرأيكم ، ومثل هذا يوجب جذب القلوب ، وانصرافها عن العدو (٩) قوله : «حوله» حال من
__________________
(١) في ب : فكذلك. وهو تحريف.
(٢) موسى : سقط من ب.
(٣) يا موسى : تكملة من الفخر الرازي.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣١.
(٥) في ب : أو سرعتها.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣١ ـ ١٣٢.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) بينكم : سقط من ب.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٢.