أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها)؟ وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون (١)؟ ويمكن أن يجاب عنه بأنه لا يمتنع أنها لشدة ثقتها بوعد الله جاز عندها إظهار عدم الحزن ، وأيقنت أنها ـ وإن أظهرت ذلك ـ فإنه يسلم لأجل ذلك الوعد. إلا أنه كان في المعلوم أن الإظهار (يضر فربط) (٢) الله على قلبها (٣). قال المعربون : «فارغا» خبر أصبح أي : فارغا من العقل (٤) ، أو من الصبر (٥) ، أو من الحزن (٦) ، وهو أبعدها ، ويردّه قراءات تخالفه. فقرأ فضالة (٧) والحسن «فزعا» بالزاي من الفزع (٨) ، وابن عباس «قرعا» بالقاف وكسر الراء وسكونها (٩) ، من قرع رأسه إذا انحسر شعره ، (والمعنى : خلا من كلّ شيء ، وانحسر عنه كلّ شيء إلا ذكر موسى (١٠) ، وقيل : الساكن الراء مصدر قرع يقرع (١١) ، أي : أصيب ، وقرىء «فرغا» بكسر الفاء وسكون الراء ، والغين معجمة أي : هدرا (١٢) ، كقوله) (١٣) :
٣٩٧٥ ـ فإن يك قتلى قد أصيبت نفوسهم |
|
فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال (١٤) |
فرغا حال من «بقتل» (١٥) ، وقرأ الخليل «فرغا» بضم الفاء وإعجام الغين (١٦) من هذا المعنى ، ومنه قولهم دماهم بينهم فرغ أي : هدر (١٧).
قوله : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي) «إن» إما مخففة ، وإما نافية ، واللام إمّا فارقة وإمّا بمعنى إلّا (١٨) والباء (١٩) في «به» (مزيدة في المفعول ، أي : لتظهره ، وقيل : ليست زائدة بل سببية ، والمفعول محذوف ، أي : لتبدي القول بسبب موسى أو بسبب الوحي. فالهاء يجوز أن تكون) (٢٠) راجعة إلى موسى (٢١) ، أي : إن كادت لتبدي به أنه (٢٢) ابنها من شدة
__________________
(١) انظر تفسير غريب القرآن (٣٢٨ ـ ٣٢٩).
(٢) ما بين القوسين في الأصل : يعتبر بربط. وفي ب : يعتبرا بربط.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢٩.
(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٥٨.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٦.
(٦) انظر : مجاز القرآن ٢ / ٩٨.
(٧) هو فضالة بن عبد الله الليثي ، وقيل : ابن بجرة بن بجيرة ، ويعرف بالزهراني. الإصابة ٣ / ٣٠٣.
(٨) انظر المختصر (١١) ، المحتسب ٢ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧.
(٩) انظر المختصر (١١١) ، المحتسب ٢ / ١٤٨ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧.
(١٠) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٧.
(١١) المرجع السابق.
(١٢) حكاها قطرب عن بعض أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المحتسب ٢ / ١٤٨ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨.
(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٤) البيت من بحر الطويل ، قاله طلحة بن خويلد الأسدي. وقد تقدّم.
(١٥) في ب : بقتلى.
(١٦) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٨٦ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧.
(١٧) انظر الكشاف ٣ / ١٥٨.
(١٨) وهو قول الكوفيين. انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٧.
(١٩) في النسختين : والهاء. والصواب ما أثبته.
(٢٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢١) انظر القرطبي ١٣ / ٢٥٦ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧.
(٢٢) في ب : أن. وهو تحريف.