ذلك (١) ولكنه ـ عليهالسلام (١) ـ كان يمكنه أن يخلص الإسرائيلي من يده بدون الوكز الذي كان الأولى تركه ، فلهذا أقدم على الاستغفار. على أنّا وإن سلمنا دلالة هذه الآية على صدور المعصية ، لكنّا بيّنّا أنه لا دلالة البتة فيه ، لأنه لم يكن رسولا في ذلك الوقت فيكون ذلك قبل النبوة لا نزاع فيه (٢).
فصل
قالت المعتزلة : الآية تدل على بطلان قول من نسب المعاصي إلى الله ، لأنه ـ عليهالسلام (٣) ـ قال: (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ، فلو كانت بخلق الله لكانت من الله لا من الشيطان ، وهو كقول يوسف ـ عليهالسلام (٤) ـ (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف : ١٠٠] ، وقول فتى موسى (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) [الكهف : ٦٣] ، وقوله تعالى : (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)(٥) [الأعراف : ٢٧] ، وتقدم الكلام على ذلك.
قوله : (بِما أَنْعَمْتَ) يجوز في الباء أن تكون (قسما و) (٦) الجواب مقدرا : لأتوبنّ ، وتفسيره : فلن أكون (٧) ، قال القفال : كأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرما ، أي : بنعمتك عليّ (٨) ، وأن تكون متعلقة بمحذوف ومعناها السببية ، أي : اعصمني بسبب ما أنعمت به (٩) عليّ(١٠) ، ويترتب عليه قوله : (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً) ، و «ما» مصدرية أو بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، وقوله : «فلن» نفي على حقيقته (١١) ، وهذا يدل على أنه قال : لم (١٢) أنعمت عليّ بهذا الإنعام فإني لا أكون معاونا لأحد من المجرمين بل أكون معاونا للمسلمين ، وهذا يدلّ على أنّ ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية ، إذ لو كان معصية لنزل الكلام منزلة قوله : «إنك لما أنعمت علي بقبول (١٣) توبتي من تلك المعصية» (١٤).
وقال الكسائي (١٥) والفراء (١٦) : إنه خبر ومعناه الدعاء ، وإنّ «لن» واقعة موقع «لا» ،
__________________
(١) ذلك : تكملة من الفخر الرازي.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٥.
(٦) ما بين القوسين في الأصل : فيها.
(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٦٠ ، التبيان ٢ / ١٠١٨ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٥.
(٩) به : سقط من ب.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٦٠ ، التبيان ٢ / ١٠١٨ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩ ـ ١١٠.
(١١) قال الأخفش : (وقال : «فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً» كما تقول : لن يكون فلان في الدار مقيما ، أي : لا يكونن مقيما) معاني القرآن ٢ / ٦٥٢.
(١٢) في ب : لما.
(١٣) بقبول : تكملة من الفخر الرازي.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٥.
(١٥) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٣٢.
(١٦) معاني القرآن ٢ / ٣٠٤.