كأنه قال : ولا تجعلني ظهيرا ، قال الفراء : في حرف عبد اللّ ه «ولا تجعلني ظهيرا» (١) قال الشاعر :
٣٩٨٠ ـ لن تزالوا كذلكم ثمّ لا زل |
|
ت لهم خالدا خلود الجبال (٢) |
قال شهاب الدين : وليس في الآية والبيت دلالة على وقوع «لن» موقع «لا» ، لظهور النفي فيهما من غير تقدير دعاء (٣).
فصل
قال ابن عباس : (بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) بالمغفرة ، (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً) عونا «للمجرمين» ، أي : للكافرين وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا ، وهو قول مقاتل ، وقال قتادة : لن أعين بعدها على خطيئة.
قال ابن عباس : لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني (٤) ، (وهذا ضعيف ، لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة ، وإنما خاف منه ذلك العدو ، فقال : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً) [القصص : ١٩] إلّا أنه لم يقع منه) (٥)(٦).
قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٢١)
قوله : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ) التي قتل فيها القبطي «خائفا» الظاهر أنه خبر «أصبح» ، و (فِي الْمَدِينَةِ) مفعول به ، ويجوز أن يكون حالا ، والخبر (فِي الْمَدِينَةِ)(٧) ، ويضعف تمام «أصبح» أي : دخل في الصباح.
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) البيت من بحر الخفيف قاله الأعشى وهو في ديوانه ١٦٩ ، البحر المحيط ٧ / ١١٠ ، المغني ١ / ٢٨٤ ، شرح التصريح ٢ / ٢٣٠ ، الهمع ١ / ١١١ ، ٤١٢ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٤ ، الأشموني ٣ / ٢٧٨ ، الدرر ١ / ٨٠. والشاهد فيه أن (لن) أتت للدعاء كما أن (لا) كذلك والدليل عطف الدعاء عليه ، وهو قوله : (ثم لا زلت ...) وفاقا لجماعة منهم ابن السراج وابن عصفور ، والأكثرون أن (لن) تفيد النفي فقط ، فالكلام معها على الإخبار.
(٣) الدر المصون ٥ / ٣١٤.
(٤) انظر البغوي ٦ / ٢٢٧.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٥.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) انظر البيان ٢ / ٢٣٠.