قوله : (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ). والمعنى : أنهم بعثوا على الحضور ليشاهدوا ما يكون من الجانبين ولمن تكون الغلبة ، وكان موسى ـ عليهالسلام (١) ـ يطلب ذلك ليظهر حجته عليهم عند الخلق العظيم (٢).
قوله : (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ). أي نرجو أن تكون الغلبة لهم (إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) لموسى. وقيل : إنما قالوا ذلك على طريق الاستهزاء. وأرادوا ب «السّحرة» : موسى وهارون وقومهما (٣). (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ). [فابتدءوا بطلب الجزاء ، وهو إما المال وإما الجاه ، فبذل لهم ذلك وأكّده بقوله : (وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)](٤) لأنّ نهاية مطلوبهم البذل ورفع المنزلة (٥).
قوله تعالى : (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ)(٤٨)
قوله تعالى : (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ). اعلم أنهم لما اجتمعوا كان لا بد من ابتداء موسى أو ابتدائهم ، ثم إنهم تواضعوا فقدّموه على أنفسهم ، وقالوا له : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) [الأعراف : ١١٥] فلما تواضعوا له تواضع هو أيضا لهم (٦) فقدمهم على نفسه ، وقال : (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ)(٧). فإن قيل : كيف جاز لموسى ـ عليهالسلام (٨) ـ أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصيّ ، وذلك سحر وتلبيس وكفر ، والأمر بمثله لا يجوز؟ فالجواب : ليس ذلك بأمر ، لأن مراد موسى ـ عليهالسلام (٧) ـ منهم أن يؤمنوا به ، ولا يقدموا(٩) على ما يجري مجرى المقاتلة ، وإذا ثبت ذلك وجب تأويل صيغة الأمر ، وفيه وجوه :
أحدها : أن ذلك الأمر كان مشروطا ، والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ، كقوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] أي : إن كنتم قادرين.
وثانيها : لما تعين ذلك طريقا إلى كشف الشبهة صار جائزا.
وثالثها : أنّ هذا ليس بأمر ، بل هو تهديد ، أي (١٠) : إن فعلتم ذلك أتينا بما يبطله ، كقول القائل : «لئن رميتني لأفعلن ولأصنعن» ثم يفوق (١١) له السهم فيقول له : «ارم» فيكون ذلك منه تهديدا.
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٣.
(٣) المرجع السابق.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٣.
(٦) في ب : هو لهم أيضا.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٣.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٣.
(٩) في ب : ولا يقدمون.
(١٠) في ب : أو. وهو تحريف.
(١١) فاق السهم : وضع فوقه في الوتر ليرقى به. اللسان (فوق) المعجم الوسيط (فوق) ٢ / ٧٣٢.