فصل
قال عمر بن الخطاب : فقام يمشي (١) والجارية أمامه ، فعبثت الريح ، فوصفت (٢) ردفها ، فكره موسى أن يرى ذلك منها ، فقال موسى عليهالسلام (٣) : إني من عنصر إبراهيم ، فكوني خلفي حتى لا ترتفع الريح ثيابك ، فأرى ما لا يحل (٤) ، وفي رواية : كوني خلفي ودليني على الطريق برمي الحصى ، لأن صوت المرأة عورة.
فإن قيل : لم خشي موسى ـ عليهالسلام (٥) ـ أن يكون ذلك أجرة له عن عمله ، ولم يكره مع الخضر ذلك حين قال : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧]؟
فالجواب : أن أخذ الأجرة على الصدقة لا يجوز ، وأما الاستئجار ابتداء (ف) (٦) غير مكروه(٧). قوله : (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ)(٨) مصدر كالعلل سمي به المقصوص ، قال الضّحاك : قال له : من أنت يا عبد الله؟ قال له : أنا موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب ، وذكر له جميع أمره من لدن (٩) ولادته وأمر القوابل والمراضع والقذف في اليم وقتل القبطي ، وأنهم يطلبوه فيقتلوه ، فقال شعيب عليهالسلام (١٠) : (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : لا سلطان له بأرضنا (١١) ، فإن قيل إن المفسرين قالوا : إن فرعون يوم ركب خلف موسى ، ركب في ألف ألف وستمائه (١٢) ، والملك الذي هذا شأنه كيف يعقل ألا يكون في ملكه قرية على بعد ثمانية أيام من دار مملكته؟ فالجواب : هذا وإن كان نادرا إلا أنّه ليس بمحال (١٣).
قوله : (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) اتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا ، (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) أي : خير من استعملت من قوي على العمل ، وأداء الأمانة ، وإنما جعل (خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ) اسما و (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) خبرا مع أن العكس أولى ، لأن العناية سبب (١٤) للتقديم (١٥). فإن قيل : القوة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضم إليهما العطية والكتابة ، فلم أهمل أمر الكتابة؟ فالجواب (١٦) أنهما داخلان في الأمانة.
__________________
(١) في ب : موسى.
(٢) في ب : وصفت.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤١.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) ف : تكملة ليست في المخطوط.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤١.
(٨) القصص : سقط من الأصل.
(٩) في ب : من ولد.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.
(١٢) في ب : وثمانمائة.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.
(١٤) في ب : بسبب.
(١٥) انظر الكشاف ٣ / ١٦٣ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.
(١٦) في ب : والجواب.