قوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(٤٣)
قوله (١) : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) فتضمن كلامه نفي إلهيّة غيره وإثبات إلهية نفسه (٢) ، (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) فاطبخ لي الآجرّ (٣) ، قيل : إنّه أول من اتخذ الآجرّ وبنى به (٤) ، (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) أي (٥) : قصرا عاليا. وقيل : منارة ، واختلفوا في ذلك فقيل : إنه بناه حتى بلغ ما لم يبلغه بنيان أحد من الخلق ، وإنه صعد ورمى بسهم وأن السهم عاد إليه ملطخا بدم ، وبعث الله جبريل عليهالسلام فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع (٦) ، وقيل : إنه لم يبن الصرح لأنه يبعد في العقل أنهم بصعود الصرح يقربون من السماء مع علمهم (٧) بأنّ من علا أعلى الجبال الشاهقة يرى السماء كما كان يراها وهو في قرار الأرض ، ومن شكّ في ذلك خرج عن حد العقل ، وهذا القول في أنه رمى السهم إلى السماء وأن من حاول ذلك كان من الخائبين ، ولا يليق بالعقل ، وإنما قال ذلك على سبيل التهكم (٨).
قوله : (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أنظر إليه. والطّلوع والاطّلاع (٩) واحد ، يقال : طلع الجبل واطّلع واحد (١٠) ، (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) يعني موسى (مِنَ الْكاذِبِينَ) في زعمه أنّ للأرض والخلق إلها غيري وأنه رسوله. (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) واعلم أن الاستكبار بالحق إنما هو لله تعالى ، وهو المتكبر في الحقيقة ، قال عليهالسلام (١١) فيما حكاه عن ربه : «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما
__________________
(١) في ب : قوله تعالى.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٢.
(٣) الآجرّ : طبيخ الطين ، والواحدة بالهاء آجرّة. اللسان (أجر).
(٤) انظر البغوي ٦ / ٢٤٣.
(٥) أي : سقط من الأصل.
(٦) انظر البغوي ٦ / ٤٣٤.
(٧) في ب : لعلمهم.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٣.
(٩) الصعود.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٦٩.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.