مضاف أي : ذا بصائر ، أو على المبالغة ، و «هدى» من حيث يستدل به (١) ، ومن حيث أن المتمسك به يفوز بطلبته من الثواب ، ووصفه بأنه «رحمة» ، لأنه من نعم الله على من تعبد به (٢).
روى أبو سعيد الخدري عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : ما أهلك الله قرنا من القرون بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل التوراة غير أهل القرية التي مسخها الله قردة (٣). وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) بما فيه من المواعظ والبصائر.
قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٤٧)
قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) (قال قتادة والسدي : وما كنت بجانب الجبل الغربي (٤)) (٥) فيكون من حذف الموصوف ، وإقامة صفته قيامه (٦) أو أن يكون من إضافة الموصوف لصفته ، وهو مذهب الكوفيين ، ومثله : بقلة الحمقاء (٧) ، ومسجد الجامع (٨).
قوله : (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أي : عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه ، والمعنى : وما كنت الحاضر المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه أو على الوحي إليه وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات (٩). فإن قيل : لمّا قال : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) ثبت أنه لم يكن شاهدا ،
__________________
(١) به : سقط من ب.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٥.
(٣) أخرجه البزار وابن المنذر ، والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. انظر الدر المنثور ٥ / ١٢٩.
(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٤٥.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٢ ، البحر المحيط ٧ / ١٢٢.
(٧) البقلة الحمقاء : الرجلة ، وهي بقلة حولية عشبية لحمية لها بزور رقاق يؤكل ورقها مطبوخا ونيئا ، وسميت حمقاء ، لأنها تنبت على طرق الناس فتداس. اللسان (بقل ، رجل) ، المعجم الوسيط (رجل).
(٨) اشترط الكوفيون لجواز إضافة الموصوف لصفته اختلاف لفظ المضاف والمضاف إليه ، ومنع البصريون ذلك ، لأن الصفة عين الموصوف ، ولأن المضاف إليه كالشيء الواحد ، ولا يضاف الشيء إلى نفسه ، وتأولوا هذه الأشياء على حذف مضاف تقديره : بقلة الحبة الحمقاء ، ومسجد المكان الجامع. انظر الهمع ٢ / ٤٨ ـ ٤٩ ، الأشموني ٢ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٧١ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٦.