ثانيا (١) ، وأن يكون هو الخبر ، و «ثاويا» حال (٢) وجعله الفراء منقطعا مما قبله (٣). أي : مستأنفا (٤) كأنّه قيل : وها أنت تتلو على أمّتك ، وفيه بعد.
فصل
المعنى : (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) خلقنا أمما من بعد موسى (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) ، أي : طالت عليهم المهلة ، فنسوا عهد الله وتركوا أمره ، وذلك أن الله عهد إلى موسى وقومه عهودا في محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والإيمان به ، فلما طال عليهم العمر وخلقت القرون من بعد القرون نسوا (٥) تلك العهود وتركوا الوفاء بها ، (وَما كُنْتَ) مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) كمقام موسى وشعيب فيهم (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) تذكرهم بالوعد والوعيد (٦).
قال (٧) مقاتل : يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على (٨) أهل مكة خبرهم (٩)(وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) في كل زمان رسولا (١٠) يعني : أرسلناك رسولا ، وأنزلنا عليك كتابا فيه هذه الأخبار فتتلوها عليهم ولو لا ذلك ما علمتها ، ولم تخبرهم بها (١١) ، (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) بناحية الجبل الذي كلّم (١٢) الله عليه موسى (إِذْ نادَيْنا) أي : نادينا موسى : خذ الكتاب بقوّة. وقال ابن عباس : إذ نادينا أمتك في أصلاب آبائهم : (يا أمة محمد أجبتكم (١٣) قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني) ، قال : وإنما قال ذلك حين اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربه (١٤). وقال وهب : لما ذكر الله لموسى فضل أمة محمد (١٥) قال موسى : يا رب أرني محمدا ، قال : إنك لن تصل إلى ذلك ، وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم ، قال : بلى يا رب ، قال الله تعالى : يا أمة محمد ، فأجابوه من أصلاب آبائهم (١٦).
قوله : (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي : أرسلناك رحمة ، أو أعلمناك (١٧) بذلك رحمة (١٨) ، أو لكن رحمناك رحمة بإرسالك وبالوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك (١٩).
__________________
(١) ذكر هذين الوجهين أبو البقاء. انظر التبيان ٢ / ١٠٢٢.
(٢) حكاه أبو حيان. البحر المحيط ٧ / ١٢.
(٣) مما قبله : سقط من ب.
(٤) قال الفراء : (أي : إنك تتلو على أهل مكة قصص مدين وموسى ، ولم تكن هناك ثاويا مقيما فتراه وتسمعه) معاني القرآن ٢ / ٣١٣.
(٥) في ب : ونسوا.
(٦) انظر البغوي ٦ / ٣٤٦.
(٧) في ب : وقال.
(٨) في ب : علما.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٣٤٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٧.
(١٠) رسولا : سقط من ب.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٣٤٦.
(١٢) في ب : يكلم.
(١٣) في ب : جئتكم. وهو تحريف.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٧.
(١٥) في ب : محمد صلىاللهعليهوسلم.
(١٦) انظر البغوي ٦ / ٣٤٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٧.
(١٧) في الأصل : أو علمناك.
(١٨) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٢.
(١٩) انتصب «رحمة» على المصدر عند الأخفش ، فإنه قال : (فنصب «رحمة» على : ولكن رحمك ربّك ـ