يقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولا. بل إنما يقولون إذا نالهم العقاب ، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم ، وهو كقوله (١) : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨].
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ)(٥٥)
قوله : (فَلَمَّا جاءَهُمُ) يعني محمدا الحق (٢) من عندنا قالوا يعني كفار مكة (لولا) هلّا «أوتي محمد» مثل ما أوتي موسى من الآيات كاليد البيضاء ، والعصا ، وفلق البحر ، وتظليل الغمام ، وانفجار الحجر بالماء والمنّ و (٣) السّلوى وكلام الله وغيرها (٤).
وقيل : مثل ما أوتي موسى كتابا جملة واحدة (٥). قال الله عزوجل : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) ، واختلفوا في الضمير (٦) في قوله : أو لم يكفروا (٧) ، فقيل : إن اليهود أمروا قريشا (٨) أن يسألوا محمدا أن يؤتى (٩) مثل ما أوتي موسى ـ عليهالسلام (١٠) ـ فقال تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) هؤلاء اليهود (بِما أُوتِيَ مُوسى) بجميع (١١) تلك الآيات الباهرة؟ وقيل : إنّ الذين اقترحوا هذا هم كفار مكة ، والذين كفروا بموسى هم الذين كانوا في زمن موسى إلّا أنه تعالى جعله كالشيء الواحد ، لأنهم في الكفر والتعنت كالشيء الواحد. وقال الكلبي : إنّ مشركي مكة بعثوا رهطا إلى يهود المدينة يسألونهم (١٢)
__________________
(١) الكشاف ٣ / ١٧١ ـ ١٧٢.
(٢) في ب : بالحق. وهو تحريف.
(٣) و : سقط من ب.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦٠.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٣٤٨.
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦٠ ـ ٢٦١. بتصرف يسير.
(٧) في ب : أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل.
(٨) قريشا : تكملة من الفخر الرازي.
(٩) أن يؤتى : تكملة من الفخر الرازي.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) في ب : مع.
(١٢) في الأصل : يسألوهم.