أنتم عليه (١) ، وقيل : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه (٢) ، قيل : نسخ ذلك بالأمر بالقتال ، وهو بعيد ، لأن ترك المسافهة مندوب ، وإن كان القتال (واجبا (٣)) (٤). والله أعلم.
قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ)(٥٩)
قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أي : أحببت هدايته ، وقيل : أحببته لقرابته ، قال المفسرون : نزلت في أبي طالب قال له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قل : لا إله إلّا الله أشهد لك بها يوم القيامة ، قال : لولا أن تعيّرني قريش ، تقول : إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينيك ، فأنزل الله هذه الآية(٥).
فصل
قال في هذه الآية : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، وقال في آية أخرى (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : ٥٢] ، ولا تنافي فإن الذي أثبته وأضافه إليه الدعوة ، والذي نفاه عنه هداية التوفيق وشرح الصدور ، وهو نور يقذف في القلب فيجيء به القلب كما قال (٦) سبحانه (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)(٧) [الأنعام : ١٢٢].
فصل
احتج أهل السنة بهذه الآية في مسألة الهدى والضلال ، فقالوا : قوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يقتضي أن تكون الهداية في الموضعين بمعنى واحد لأنه لو كان المراد من الهداية في قوله (إِنَّكَ لا تَهْدِي) شيئا ، وفي قوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) شيئا آحر لاختلّ النظم ، ثم إما أن يكون المراد من الهداية بيان الأدلة
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ٣٥٢.
(٢) المرجع السابق.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦٢.
(٤) ما بين القوسين في ب : واجب. وهو تحريف.
(٥) أخرجه البخاري (جنائز) ١ / ٢٣٥ ، مسلم (إيمان) ١ / ٥٥ ، أحمد ٣ / ٤٣٤ ، ٥٤٤١ وانظر أسباب النزول للواحدي (٢٥١ ـ ٢٥٢).
(٦) في ب : قاله.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٣.