حولها (١) ، وهذا بيان لقطع عذرهم ، لأن عدم البعثة يجري مجرى العذر للقوم ، فوجب ألا يجوز إهلاكهم إلا بعد البعثة.
وقوله : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي : يؤدّي ويبلّغ ، قال مقاتل : يخبرهم الرسول أنّ العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا (٢) ، (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) : مشركون أي : أهلكهم بظلمهم ، وأهل مكة ليسوا كذلك ، فإن بعضهم قد آمن وبعضهم قد علم الله منهم أنّهم وإن لم يؤمنوا لكنه يخرج من نسلهم من يؤمن (٣).
قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ)(٦٦)
قوله (٤) : (وَما (٥) أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، أي فهو متاع ، وقرىء فمتاعا الحياة بنصب «متاعا» (٦) على المصدر ، أي : يتمتّعون (٧) متاعا ، «والحياة» نصب على الظرف (٨) ، والمعنى : يتمتعون بها أيام حياتهم ثم هي إلى فناء وانقضاء (٩)(وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) ، هذا(١٠) جواب عن شبهتهم فإنهم إن قالوا تركنا (١١) الدّين لئلا تفوتنا الدنيا ، فبيّن تعالى أن ذلك خطأ عظيم ، لأن ما عند الله خير وأبقى (أمّا أنّه خير) (١٢) فلوجهين (١٣) : الأول : أن المنافع هناك أعظم ، والثاني : أنها خالصة عن الشوائب ومنافع الدنيا مشوبة بالمضار ، بل المضار فيها أكثر ، وأما أنّها (١٤) أبقى ، فلأنها (١٥) دائمة غير منقطعة ومتى قوبل المتناهي بغير المتناهي كان عدما فظهر بذلك أن منافع الدنيا لا نسبة لها إلى منافع الآخرة ، فلا جرم نبه على ذلك فقال : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أن الباقي خير من
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ٣٥٥.
(٢) المرجع السابق.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٦.
(٤) في ب : قوله تعالى.
(٥) في الأصل : فما.
(٦) المختصر (١١٣) ، البحر المحيط ٧ / ١٢٧ ، غير معزوة إلى قارىء.
(٧) في ب : يتمتعوا.
(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ١٢٧.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٣٥٦.
(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٥ / ٧.
(١١) في ب : إن تركنا.
(١٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(١٣) في النسختين من وجهين والتصويب من الفخر الرازي.
(١٤) في ب : لأنها. وهو تحريف.
(١٥) في ب : فإنها. وهو تحريف.