فصل (١)
قال القاضي : هذه الآية تدل على بطلان قول الجبرية ، لأن فعلهم لو كان خلقا من الله ويجب وقوعه بالقدرة والإرادة لما عميت عليهم الأنباء ولقالوا إنّما كذّبنا الرسل من جهة خلقك فينا بتكذيبهم والقدرة الموجبة لذلك فكانت حجتهم على الله تعالى ظاهرة وكذلك القول فيما تقدم ، لأن الشيطان كان له أن يقول إنما أغويت بخلقك (٢) فيّ الغواية ، والجواب : أنّ علم الله بعدم الإيمان مع وجود الإيمان متنافيان لذاتهما ، فمع العلم بعدم الإيمان إذا أمرنا بإدخال الإيمان في الوجود فقد أمرنا بالجمع بين الضّدين ، واعلم أنّ القاضي لا يترك آية من الآيات المشتملة على المدح والذم والعقاب إلا يعيد استدلاله بها ، كما أن وجه (٣) استدلاله في الكل هذا الحرف ، فكذا وجه جوابنا حرف واحد ، وهو كما ذكرنا.
قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٧٠)
قوله : (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) لمّا بيّن حال المعذبين أتبعه بذكر من يتوب منهم في الدنيا ترغيبا في التوبة (٤) ، وزجرا عن الثبات على (٥) الكفر ، وفي «عسى» وجوه :
أحدها : أنه من الكرام حقيق ، والله أكرم الأكرمين.
وثانيها : أنّها للترجي للتائب وطمعه (٦) ، كأنه قال : فليطمع في الفلاح.
وثالثها : عسى أن يكونوا كذلك إذا داموا على التوبة والإيمان ، لجواز أن لا يدوموا (٧).
قوله : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) نزلت هذه الآية جوابا للمشركين حين قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ، يعني الوليد بن المغيرة ، أو عروة بن مسعود الثقفي ، أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختيارهم (٨).
__________________
(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٥ / ١٠.
(٢) في ب : خلقك.
(٣) وجه : سقط من ب.
(٤) في ب : في بالتوبة. وهو تحريف.
(٥) في ب : في.
(٦) في ب : وطعمه. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٠.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٠ ، أسباب النزول للواحدي (٢٥٢).