لم يدخل العاطف ، والمعنى أن الخيرة لله في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة (١) فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه (٢).
قال شهاب الدين : لم يزل الناس يقولون : إن الوقف على «يختار» والابتداء بما (٣) على أنها نافية هو مذهب أهل السنة (٤) ، ونقل ذلك عن جماعة كأبيّ وغيره (٥) ، وأن كونها موصولة متصلة «يختار» غير موقوف عليه هو مذهب المعتزلة ، وهذا الزمخشري قد قرر كونها نافية وحصل غرضه في كلامه وهو موافق لكلام أهل السنة ظاهرا وإن كان لا يريده ، وهذا الطبري من كبار أهل السنة منع أن تكون نافية ، قال : لئلا يكون المعنى : أنه إن لم يكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل ، وأيضا فلم يتقدم نفي (٦) ، وهذا الذي قاله ابن جرير (٧) مرويّ عن ابن عباس (٨) ، وقال بعضهم : ويختار لهم ما يشاؤه من الرسل ف «ما» على هذا واقعة على العقلاء (٩).
فصل
إن قيل : «ما» للإثبات فمعناه : ويختار الله ما كان لهم الخيرة ، أي : يختار ما هو الأصلح والخير ، وإن قيل : ما للنفي أي : ليس إليهم الاختيار ، أو ليس لهم أن يختاروا على الله كقوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(١٠) [الأحزاب: ٣٦] ثم قال منزّها نفسه سبحانه وتعالى (عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : إن الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال مفوض إليه ليس لأحد فيه شركة ومنازعة ثم أكد ذلك بأنه (يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) من عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَما يُعْلِنُونَ) من مطاعنهم فيه ، وقولهم : هلا اختير غيره في النبوة (١١). ولما بيّن علمه بما هم (١٢) عليه من الغل والحسد والسفاهة قال : (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) ، وهذا تنبيه على كونه قادرا على كل الممكنات عالما بكل المعلومات منزها عن النقائص والآفات (١٣)(لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) وهذا ظاهر على مذهب أهل السنة لأن الثواب غير واجب عليه بل يعطيه فضلا وإحسانا ، و (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) ويؤكد قول أهل الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [فاطر : ٣٤]. (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) [الزمر :
__________________
(١) في ب : الجملة. وهو تحريف.
(٢) الكشاف ٣ / ١٧٦ ـ ١٧٧.
(٣) في ب : بما كان.
(٤) انظر القرطبي ١٣ / ٣٠٥.
(٥) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٤١.
(٦) انظر جامع البيان ٢٠ / ٦٣ ـ ٦٤.
(٧) في ب : ابن جريج.
(٨) انظر القرطبي ١٣ / ٣٠٦ ، البحر المحيط ٧ / ١٢٩.
(٩) الدر المصون ٥ / ٢٢٦ ، وانظر أيضا القرطبي ١٣ / ٣٠٦.
(١٠) [الأحزاب : ٣٦]. وانظر البغوي ٦ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١١.
(١٢) في ب : كونهم. وهو تحريف.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١١.