٧٤] (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١) [يونس : ١٠] (وَلَهُ الْحُكْمُ) وفصل القضاء بين الخلق ، قال ابن عباس : حكم لأهل طاعته بالمغفرة ولأهل المعصية بالشقاء (٢)(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي : إلى حكمه وقضائه.
قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٧٥)
قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) الآية ، لما بيّن (٣) بقوله : (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فصل عقيب ذلك ببعض (٤) ما يجب أن يحمد عليه بما (٥) لا يقدر عليه سواه ، فقال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) ، نبّه بذلك على كون الليل والنهار نعمتان متعاقبتان على الزمان ، ووجهه أن المرء في الدنيا مضطرّ إلى أن يتعب لتحصيل ما يحتاج إليه ولا يتم ذلك إلا براحة وسكون بالليل ولا بد منها والحالة هذه ، فأما في الجنة فلا نصب ولا تعب (٦) ولا حاجة بهم إلى الليل ، ولذلك يدوم لهم الضياء واللذات ، فبيّن بذلك أن القادر على ذلك ليس إلّا الله (٧) فقال : (قُلْ (٨) أَرَأَيْتُمْ) أخبروني يا أهل مكة (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لا نهار معه (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) بنهار تطلبون فيه المعيشة (أَفَلا تَسْمَعُونَ) سماع فهم وقبول؟
قوله (٩) : أرأيتم ، وجعل تنازعا في «اللّيل» وأعمل الثاني ومفعول «أرأيتم» هي جملة الاستفهام بعده والعائد منها على الليل محذوف تقديره : بضياء بعده (١٠) ، وجواب الشرط محذوف ، وتقدم تحرير هذا في الأنعام (١١) ، وسرمدا مفعول ثان إن كان
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١١.
(٢) انظر البغوي ٦ / ٣٥٩.
(٣) في الفخر الرازي : لما بيّن من قبل استحقاقه للحمد على وجه الإجمال.
(٤) في ب : بعض.
(٥) في ب : ما.
(٦) في ب : فلا تعب ولا نصب.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٢.
(٨) في ب : هل. وهو تحريف.
(٩) في ب : فصل قوله.
(١٠) انظر البحر المحيط ٧ / ١٣٠.
(١١) يشير إلى قوله تعالى : «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ ...» [الأنعام : ٤٦]. انظر اللباب ٣ / ٤١٣ ، ٤١٧.