قوله : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي في الليل (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي : في النهار وهذا من باب اللف والنشر (١) ومنه :
٤٠١٦ ـ كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا |
|
لدى وكرها العنّاب والحشف البالي (٢) |
قوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : نعم الله ، وقيل : أراد الشكر على المنفعتين معا ، واعلم أنه وإن كان السكون في النهار ممكنا (وابتغاء فضل الله بالليل ممكنا) (٣) إلا أن الأليق بكل واحد منهما ما ذكره الله تعالى ، فلهذا خصه به (٤) ، وقوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) كرّر ذلك النداء للمشركين لزيادة التقريع والتوبيخ.
قوله : (وَنَزَعْنا) أخرجنا (٥)(مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) يعني رسولهم الذي أرسل إليهم ، كما قال : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ)(٦) [النساء : ٤١] أي : يشهد عليهم بأنهم بلغوا القوم الدلائل ، وأوضحوها لهم ليعلم أن التقصير منهم ، فيزيد ذلك في غمهم ، وقيل المراد الشهداء الذين يشهدون على الناس ، ويدخل في جملتهم الأنبياء (فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجتكم بأن معي شريكا «فعلموا» حينئذ (أَنَّ الْحَقَّ) التوحيد «لله» ، (وَضَلَّ عَنْهُمْ) غاب عنهم (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الباطل والكذب.
قوله تعالى : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)(٧٨)
قوله تعالى : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) الآية ، قال المفسرون كان ابن عمه ،
__________________
(١) اللف والنشر هو ذكر متعدد على جهة التفصيل أو الإجمال ، ثم ذكر ما لكل واحد من غير تعيين ثقة بأن السامع يرده إليه. الإيضاح (٣٦٦).
(٢) البيت من بحر الطويل ، قاله امرؤ القيس ، والشاهد فيه أنه شبّه شيئا واحدا في حالتين مختلفتين بشيئين مختلفين ، فالعنّاب وهو نوع من الثمار رائق المنظر راجع إلى القلوب الرطبة ، والحشف وهو أردأ التمر راجع إلى القلوب اليابسة وهو ما يسميه علماء البيان باللف والنشر.
وفيه شاهد آخر وهو أن (رطبا ويابسا) حالان العامل فيهما حرف التشبيه ، وهو (كأن) فلذا وجب تأخيرهما. البالي : العتيق. وقد تقدم.
(٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٣.
(٥) في ب : وأخرجنا.
(٦) [النساء : ٤١]. وانظر البغوي ٦ / ٣٦٠.