قوله : (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) ولا تطلب الفساد في الأرض (١) ، وكل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض (٢) ، وقيل المراد ما كان عليه من الظلم والبغي (٣) ، و (فِي الْأَرْضِ) يجوز أن يتعلق ب «تبغ» أو ب «الفساد» أو بمحذوف على أنه حال وهو بعيد. ثم قال : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ، قيل : إن هذا القائل هو موسى (٤) عليهالسلام (٥) ؛ وقيل : بل مؤمنو قومه (٦).
وقوله : «عندي» إما ظرف ل «أوتيته» ، وإما صفة (٧) للعلم (٨).
فصل
قال قارون : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) أي : على فضل وخير علمه الله عندي فرآني(٩) أهلا لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره (١٠) ، وقال سعيد بن المسيب والضحاك : كان موسى عليهالسلام (١١) يعلم علم الكيمياء (أنزل الله عليه علمه من السماء) (١٢) فعلّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقناء ثلثه وعلم قارون ثلثه ، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه(١٣). وكان ذلك سبب أمواله.
وقيل : (عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) بالتصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب (١٤) ثم أجاب الله عن كلامه بقوله : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ) الكافرة (مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) للأموال أو أكثر جماعة وعددا. فقوله (أَوَلَمْ يَعْلَمْ) يجوز أن يكون هذا إثباتا (١٥) لعلمه بأن الله قد أهلك قبله من القرون من هو أقوى منه وأغنى ، لأنه قرأه في التوراة وأخبر به موسى وسمعه من حفاظ التواريخ ؛ كأنه قيل : أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته. ويجوز أن يكون نفيا لعلمه بذلك لأنه لما قال : (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) فتصلف (١٦) بالعلم وتعظم به قيل مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم النافع (١٧) حتى يقي به نفسه. والمعنى أنه تعالى إذا أراد إهلاكه لم ينفعه ذلك ولا ما (١٨) يزيد عليه أضعافا (١٩).
__________________
(١) في الأرض : سقط من ب.
(٢) انظر البغوي ٦ / ٣٦٢.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٧.
(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٧٨ ، الفخر الرازي ٢٥ / ١٧.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٧.
(٧) صفة : سقط من ب.
(٨) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٦.
(٩) في ب : وإني.
(١٠) انظر البغوي ٦ / ٣٦٣.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٧٨ ، الفخر الرازي ٢٥ / ١٧.
(١٤) المرجعان السابقان.
(١٥) في ب : استئنافا.
(١٦) الصلف : مجاوزة القدر في الظّرف والبراعة والادّعاء فوق ذلك تكبرا. اللسان (صلف).
(١٧) في ب : الباقي.
(١٨) ما : سقط من ب.
(١٩) انظر الكشاف ٣ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، الفخر الرازي ٢٥ / ١٧.