يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٢ ، ٩٣] فالجواب : يحمل ذلك على وقتين كما قررناه (١).
وقال أبو مسلم : السؤال قد يكون للمحاسبة ، وقد يكون للتقريع والتوبيخ ، وقد يكون للاستعتاب ، وأليق الوجوه بهذه الآية الاستعتاب لقوطله (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [النحل : ٨٤] (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٥ ، ٣٦].
قوله : (فِي زِينَتِهِ) إما متعلق ب «خرج» ، وإما بمحذوف على أنه حال من فاعل خرج(٢).
فصل
قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ)(٨١)
دلت الآية على أنه خرج بأظهر زينة وأكملها ، وليس في القرآن إلا هذا القدر والناس ذكروا وجوها مختلفة ، والأولى ترك هذه التقديرات لأنها متاعارضة ، ثم إن الناس لما رأوه على تلك الزينة قال من كان منهم (٣) يرغب في الدنيا : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) من الحال ، وهؤلاء الراغبون يحتمل أن يكونوا من الكفار ، وأن يكونوا من المسلمين الذين يحبون الدنيا ، فأما الذين أوتوا العلم ـ وهم أهل الدين ـ قال ابن عباس : يعني الأحبار من بني إسرائيل (٤) ، وقال مقاتل : أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة (٥). فقالوا للذين تمنوا : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ) من هذه النعم ، أي: ما عند الله من الجزاء والثواب (خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ) وصدق بتوحيد الله وعمل صالحا ، لأن للثواب منافع عظيمة خالصة عن شوائب المضار دائمة ، وهذه النعم على الضد في هذه الصفات (٦).
قوله (٧) : «ويلكم» : منصوب بمحذوف ، أي : «ألزمكم الله ويلكم» (٨) ، قال الزمخشري : ويلك أصله الدعاء بالهلاك ، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما يضر (٩).
قوله : (وَلا يُلَقَّاها) أي : هذه الخصلة وهي الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله. وقيل : الضمير يعود إلى ما دل عليه قوله : (آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) يعني هذه الأعمال لا يؤتاها إلا الصابرون(١٠) (وقال الزجاج : ولا يلقى هذه الكلمة وهي قولهم : (ثَوابُ اللهِ
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٧.
(٢) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٦.
(٣) في ب : قال منهم من كان.
(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٦٤.
(٥) المرجع السابق.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٨.
(٧) في الأصل : فصل.
(٨) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٦.
(٩) في الكشاف : على ترك ما لا يرضى. الكشاف ٣ / ١٧٩.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٨.