الْكافِرُونَ (٨٢) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٨٣)
قوله : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ) أي : صار (١) أولئك الذين تمنوا (٢) ما رزق من (٣) المال والزينة يتندمون على ذلك التمني (٤) ، والعرب تعبر عن (٥) الصيرورة بأصبح وأمسى وأضحى ، تقول : أصبح فلان عالما ، وأضحى معدما ، وأمسى حزينا ، والمعنى صار ذلك زاجرا لهم عن حب الدنيا ومخالفة موسى وداعيا إلى الرضا بقضاء الله وقسمته (٦).
قوله : (وَيْكَأَنَّ اللهَ ... وَيْكَأَنَّهُ) فيه مذاهب منها : أن وي كلمة برأسها وهي اسم فعل معناها أعجب (٧) أي أنا والكاف للتعليل ، و «أن» وما في حيزها مجرورة بها ، أي : أعجب لأنه لا يفلح الكافرون ، وسمع كما أنه لا يعلم غفر الله له (٨) ، وقياس هذا القول أن يوقف على «وي» وحدها ، وقد فعل ذلك الكسائي ، إلا أنه ينقل عنه أنه يعتقد في الكلمة أن أصلها «ويلك» كما سيأتي ، وهذا ينافي وقفه ، وأنشد سيبويه (٩) :
٤٠٢٠ ـ وي كأن من يكن له نشب يح |
|
بب ومن يفتقر يعش عيش ضر (١٠) |
الثاني : قال بعضهم «كأن» هنا للتشبيه إلا أنه ذهب منها معناه ، وصارت للخبر والتيقن (١١) ، وأنشد :
__________________
(١) في ب : صاروا.
(٢) في ب : الذين تمنوا مكانه بالأمس.
(٣) في ب : ب.
(٤) في ب : الغنى. وهو تحريف.
(٥) في ب : عن ذلك.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٢٠.
(٧) في ب : معناه وأعجب. وهو تحريف.
(٨) هذا قول الخليل ، قاله سيبويه : (وسألت الخليل ـ رحمهالله تعالى ـ عن قوله : «وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ» وعن قوله تعالى جده : «وَيْكَأَنَّ اللهَ» فزعم أنها «وي» مفصولة من «كأن» ، والمعنى : وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم : أما يشبه أن يكون هذا عندكم هكذا. والله تعالى أعلم) الكتاب ٢ / ١٥٤. وانظر الكشاف ٣ / ١٨٠ ، البيان ٢ / ٢٣٧ ، التبيان ٢ / ١٠٢٧ ، البحر المحيط ٧ / ١٣٥.
(٩) الكتاب ٢ / ١٥٥.
(١٠) البيت من بحر الخفيف قاله زيد بن عمرو بن نفيل ، أو نبيه بن الحجاج ، وهو في الكتاب ٢ / ١٥٥ ، معاني القرآن للفراء ٢ / ٣١٢ ، مجالس ثعلب ١ / ٣٢٢ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٥٧ ، المحتسب ٢ / ١٥٥ ، الخصائص ٢ / ٤١ ، ١٦٩ ، الكشاف ٣ / ١٨٠. تفسير ابن عطية ١١ / ٣٤٤ ، البيان ٢ / ٢٣٧ ، ابن يعيش ٤ / ٧٦ ، اللسان (ويا) ، البحر المحيط ٧ / ١٣٥ ، المغني ٢ / ٣٦٩ ، شرح شواهده ٢ / ٧٨٦ ، الهمع ٢ / ١٠٦ ، الأشموني ٣ / ١٩٩ ، الخزانة ٦ / ٤٠٥. النشب : المال. والشاهد فيه (ويكأن) فهي عند الخليل وسيبويه مركبة من (وي) للتنبيه ، و (كأن) للتشبيه.
(١١) قال ابن جني : (وهو أن (وي) على قياس مذهبهما (الخليل وسيبويه) اسم سمي به الفعل في الخبر ، فكأنه اسم أعجب ، ثم ابتدأ فقال: «كأنه لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» و «وي كأنّ الله يبسط الرزق لمن يشاء من ـ