عبد الله «لتخسّف» بتاء من فوق وتشديد السين مبنيا للمفعول ، وبنا قائم مقامه (١).
قوله : (وَيْكَأَنَّ) كلمة مستعملة عند التنبيه للخطاب وإظهار التندم (٢) ، فلما قالوا : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) [القصص : ٧٩] ثم شاهدوا الخسف تنبهوا لخطئهم ، ثم قالوا : كأنه (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بحسب مشيئته وحكمته لا لكرامته عليه ، ويضيق على من يشاء لا لهوان من يضيّق عليه ، بل لحكمته وقضائه ابتلاء وفتنة (٣) ، قال سيبويه : سألت الخليل عن هذا الحرف ، فقال : «وي» مفصولة (٤) من «كأنّ» وأن القوم تنبهوا وقالوا متندمين على ما سلف منهم(٥).
قوله تعالى (٦) : (تِلْكَ الدَّارُ) مبتدأ وصفته ، و «نجعلها» هو الخبر ، ويجوز أن يكون «الدّار» هو الخبر «ونجعلها» خبرا آخر ، وحال (٧) والأولى أحسن ، وهذا تعظيم (٨) لها وتفخيم لشأنها ، يعني : تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها (٩)(لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) كرّر «لا» ليفيد أن كلا منهما مستقل في بابه لا مجموعهما ، (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٨٨)
قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ، لمّا بيّن أن الدار الآخرة ليست إلا للمتقين بيّن(١٠) بعد ذلك ما يحصل لهم فقال : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ، والمعنى : أنهم يزادون على ثوابهم ، وقوله : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وظاهره أنهم لا يزادون على ما يستحقون (١١).
فقوله : (فَلا يُجْزَى الَّذِينَ) من إقامة الظاهر مقام المضمر تشنيعا عليهم ، وقوله : (إِلَّا ما كانُوا) أي : إلّا مثل ما كانوا ، قال الزمخشري : إنما كرر ذكر السيئات ، لأن في
__________________
(١) المختصر (١١٤) ، البحر المحيط ٧ / ١٣٦.
(٢) في ب : الندم.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٢٠.
(٤) في ب : مفعول. وهو تحريف.
(٥) انظر الكتاب ٢ / ١٥٤.
(٦) تعالى : سقط من ب.
(٧) انظر البيان ٢ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩.
(٨) في ب : عظيم.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٨٠ ، الفخر الرازي ٢٥ / ٢٠.
(١٠) في ب : وبيّن.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٢١.