قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

اللّباب في علوم الكتاب [ ج ١٥ ]

303/615
*

وأصل «يصدّنك» «يصدّوننّك» ، ففعل فيه ما فعل في (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ)(١) [هود : ٨] ، والمعنى لا تلتفت إلى هؤلاء ولا تركن إلى قولهم فيصدوك عن اتباع آيات الله (٢) يعني القرآن. (بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ (٣) إِلَيْكَ ، وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي : إلى دين ربك وإلى معرفته وتوحيده (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قال ابن عباس : الخطاب في الظاهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به : أهل دينه (٤) ، أي : لا تظاهروا الكفار ولا توافقوهم ومثله : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) وهذا وإن كان واجبا على الكلّ إلا أنه تعالى خاطبه به خصوصا لأجل (التعليم (٥)) (٦) ، فإن قيل : الرسول كان معلوما منه أنه لا يفعل شيئا من ذلك ألبتة ، فما فائدة ذلك النهي؟ فالجواب : أنّ الخطاب وإن كان معه لكن المراد غيره ، ويجوز أن يكون المعنى : لا تعتمد على غير الله ولا تتخذ غيره وكيلا في أمورك ، فإن وثق بغير الله فكأنّه لم يكمل طريقه في التوحيد (٧) ، ثم بيّن أنه لا إله إلّا هو أي : لا نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع إلّا هو كقوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل : ٩] فلا يجوز اتخاذ إله سواه(٨).

قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) من جعل شيئا يطلق (٩) على الباري تعالى ـ وهو الصحيح ـ قال : هذا استثناء متصل ، والمراد بالوجه الذات ، وإنّما جرى على عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة (١٠) ، ومن لم يطلق عليه جعله متصلا أيضا ، وجعل الوجه ما عمل لأجله أو الجاه الذي بين الناس ، أو يجعله منقطعا أي : لكن هو تعالى لم يهلك (١١).

فصل

استدلت المعتزلة على أن الجنة والنار غير مخلوقتين بأنّ هذه الآية تقتضي فناء الكل ، فلو كانتا مخلوقتين لكان هذا يناقض قوله تعالى في صفة الجنة (أُكُلُها دائِمٌ) [الرعد : ٣٥] ، والجواب : هذا معارض بقوله تعالى (في صفة الجنة) (١٢)(أُعِدَّتْ

__________________

(١) يعني بذلك أن الفعل هنا وفي سورة «هود» معرب لأن النون مفصولة تقديرا ، إذ الأصل : يصدوننّك ، ليقولوننّ ، النون الأولى للرفع وبعدها نون مشددة فاستثقل توالي الأمثال ، فحذفت نون الرفع ، لأنها لا تدل من المعنى على ما تدل عليه نون التوكيد ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الواو التي هي ضمير الفعل ، لالتقائها ساكنة مع النون. انظر الباب ٤ / ٣٣١.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٢٣.

(٣) في ب : أنزل. وهو تحريف.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٢٣.

(٦) في الفخر الرازي : التعظيم.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٢٣.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ٢٣.

(٩) في ب : ينطلق.

(١٠) ويسمى هذا مجازا مرسلا علاقته الجزئية حيث أطلق الجزء وأراد الكل.

(١١) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٥٨ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٣٥٠ ، البيان ٢ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، التبيان ٢ / ١٠٢٨.

(١٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.