وزعم بعضهم أن سيبويه لمّا سأله : هل يحفظ شيئا في إعمال «فعل»؟ صنع له هذا البيت ، فعيب على سيبويه : كيف يأخذ الشواهد الموضوعة؟
وهذا غلط ، فإن هذا الشخص قد أقر على نفسه بالكذب ، فلا يقدح قوله في سيبويه. والذي ادعى أنه صنع البيت هو الأخفش (١). و «حذر» يتعدى بنفسه ، قال تعالى : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) [الزمر : ٩] ، وقال العباس بن مرداس (٢) :
٣٩٠٦ ـ وإنّي حاذر أنمي سلاحي |
|
إلى أوصال ذيّال منيع (٣) |
وقرأ ابن السميفع وابن أبي عمار (٤) : «حادرون» (٥) بالدال المهملة (٦) من قولهم : عين حدرة ، أي : عظيمة (٧) ، كقولهم :
٣٩٠٧ ـ وعين لها حدرة بدرة (٨)
والمعنى : عظيما. وقيل : الحادر : القوي الممتلىء ، وحكي : رجل حادر ، أي : ممتلىء غيظا ، ورجل حادر ، أي : أحمق ، كأنه ممتلىء من الحمق قال :
٣٩٠٨ ـ أحبّ الغلام السّوء من أجل أمّه |
|
وأبغضه من بغضها وهو حادر (٩) |
ويقال أيضا رجل [حدر بزنة يقظ مبالغة في (حادر) من هذا المعنى (١٠) ، فصار يقال](١١) حذر وحذر وحاذر بالذال المعجمة والمهملة والمعنى مختلف.
__________________
(١) والذي ذكره البغدادي في الخزانة نقلا عن المازني أن الذي فعل ذلك هو أبان اللاحقي. انظر الخزانة ٨ / ١٧١ ـ ١٧٢.
(٢) هو العباس بن مرداس الصحابي ـ رضي الله عنه ـ ابن أبي عامر بن حارثة أسلم قبل فتح مكة بيسير ، وأمه الخنساء الصحابية الشاعرة ، وكان من المؤلفة قلوبهم. الخزانة ١ / ١٥٢ ـ ١٥٤.
(٣) البيت من بحر الوافر ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ٨٦ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١١٣ ، واللسان (ذيل) ، البحر المحيط ٧ / ١٨. وفي ب : (والى) بدل (وإنّي) ، (أعني) بدل (أنمي) ، (صنيع) بدل (منيع).
أنمي : أزيد وأمدّ. الأوصال : جمع وصل ، وهو المفصل. الذيّال : طويل الذيل المتبختر في مشيته.
المنيع : القوي السريع. والشاهد فيه قوله (حاذر) فإنه اسم فاعل من (حذر) وهو متعد إلى مفعول محذوف لدلالة المقام كأنه قال : حاذر عدوي.
(٤) لم أهتد إلى ترجمة له فيما رجعت إليه من مراجع.
(٥) في ب : حاذون. وهو تصحيف.
(٦) المختصر (١٠٦) ، المحتسب ٢ / ١٢٨ ، البحر المحيط ٧ / ١٨.
(٧) انظر البحر المحيط ٧ / ١٨.
(٨) صدر بيت من بحر المتقارب قاله امرؤ القيس ، وعجزه : شقّت مآقيهما من أخر.
وهو في ديوانه (١٦٦) ، القرطبي ١٣ / ١٠٢ ، اللسان (حدر) ، المفضليات ٨٥٦.
(٩) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في الكشاف ٣ / ١١٥ ، اللسان (حدر) ، البحر المحيط ٧ / ١٨. والشاهد فيه قوله : (حادر). فإنه بمعنى ممتلىء قوي.
(١٠) حكاه أبو حيان عن صاحب اللوامح. البحر المحيط ٧ / ١٨.
(١١) ما بين القوسين سقط من الأصل.