حال ، لأنه سبك ذلك من قوله : (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) وهي (١) جملة حالية ، ثم ذكر (أَنْ يُتْرَكُوا) هنا من الترك الذي هو تصيير (٢) ، وهذا لا يصح ، لأن مفعول «صير» الثاني لا يستقيم أن يكون لقولهم ، إذ يصير التقدير : أن يصيروا لقولهم وهم لا يفتنون وهذا كلام لا يصحّ.
وأما ما مثله به من البيت فإنه يصح أن يكون «جزر السباع» مفعولا ثانيا لترك ـ بمعنى صير ـ بخلاف ما قدر في الآية.
وأما تقديره : تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام فلا يصح ؛ إذ كان تركهم بمعنى تصييرهم كان غير مفتونين حالا ، إذ لا ينعقد من تركهم بمعنى تصييرهم ولقولهم (٣) مبتدأ وخبر لاحتياج تركهم بمعنى تصييرهم إلى مفعول ثان ، لأن غير مفتونين عنده حال ، لا مفعول ثان.
وأما قوله : فإن قلت : أن يقولوا إلى آخره فيحتاج إلى فضلة (٤) (فهم) (٥) ، وذلك أن قوله : أن يقولوا هو علة تركهم ، فليس كذلك ، لأنه لو كان علة لكان به متعلّقا كما يتعلق بالفعل ، ولكنه علة الخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن ، والخبر غير المبتدأ ، ولو كان «لقولهم» علة للترك لكان من تمامه فكان يحتاج إلى خبر.
وأما قوله : كما تقول : خروجه لمخافة الشرّ ، فلمخافة ليس علة للخروج ، بل للخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن (٦) انتهى.
قال شهاب الدين (٧) : «ويجاب الشيخ بأن الزمخشري إنما نظر إلى جانب المعنى ، وكلامه عليه صحيح.
وأما قوله : ليس علة للخروج ونحو ذلك ، يعني في اللفظ ، فأما في المعنى فهو علة قطعا ، ولو لا خوف الخروج فات المقصود» (٨).
فصل
معنى الآية : أحسب الناس أن يتركوا بغير اختبار ولا ابتلاء أن يقولوا آمنا (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) وهم لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم ، كلا لنختبرنهم ، ليتبين المخلص من المنافق ، والصادق من الكاذب(٩).
__________________
(١) في البحر وهذه.
(٢) وفيه : من التصيير.
(٣) في البحر : تقولهم.
(٤) في النسختين فصل وما هو مذكور موافق لما في البحر.
(٥) ساقط من النسختين وهو تكملة من البحر.
(٦) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٤٠.
(٧) هو أحمد بن يوسف بن عبد الدائم بن محمد الحلبي ، شهاب الدين المقرىء ، نزيل القاهرة المعروف بالسمين ، تعانى النحو فمهر فيه ، ولازم أبا حيان إلى أن فاق أقرانه ، له تفسير القرآن وغير ذلك مات سنة ٧٥٦ ه ، انظر : بغية الوعاة ١ / ٤٠٢.
(٨) الدر المصون ٤ / ٢٩٢.
(٩) انظر : فتح القدير للشوكاني ٤ / ١٩٢.