وقال مقاتل : يعني أن يوم القيامة لكائن (١) والمعنى : أن من يخشى الله ويأمله فليستعد له ، وليعمل لذلك (٢) اليوم ، كقوله : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً) [الكهف : ١١٠] الآية كما تقدم.
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ولم يذكر صفة غيرهما ، لأنه سبق القول في قوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) وسبق القول بقوله : (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) وبقوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) وقوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ولا شك أن القول يدرك بالسمع والعمل منه ما يدرك بالبصر ، ومنه ما لا يدرك به ، والعلم يشملهما ، فقال : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي يسمع ما قالوه ، ويعلم من صدق فيما قال ، ومن كذب أو عليم بما يعمل فيثيب ويعاقب.
قوله : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) أي له ثوابه ، والجهاد هو الصبر على الشدة ، ويكون ذلك في الحرب ، وقد يكون على مخالفة النفس.
فإن قيل : هذه الآية تدل على أن الجزاء على العمل واجب ، فإن قوله : (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) يفهم منه أن من جاهد ربح بجهاده ما لولاه لما ربح.
فالجواب : هو كذلك ولكن بحكم الوعد لا بالاستحقاق.
فإن قيل : قوله : «فإنما» يقتضي الحصر ، فيكون جهاد المرء لنفسه فقط ولا ينتفع به غيره وليس كذلك ، فإن من جاهد ينتفع به هو ، ومن يريد نفعه حتى إن الوالد والولد ببركة المجاهد وجهاده ينتفعون به.
فالجواب : أن ذلك نفع له ، فإن انتفاع الولد انتفاع للأب ، والحصر هنا معناه أن جهاده لا يصل إلى الله منه نفع ، ويدل عليه قوله : (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٣) أي عن أعمالهم وعبادتهم.
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء والخبر جملة القسم المحذوفة وجوابها أي: والله لنكفرن. ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر على الاشتغال ، أي : وليخلص الذين آمنوا من سيئاتهم (٤).
والتفكير : إذهاب السيئة بالحسنة ، والمعنى : لنذهبنّ سيئاتهم حتى تصير بمنزلة من لم يعمل.
فإن قيل : قوله : فلنكفرن (عنهم سيئاتهم يستدعي وجود السيئات حتى تكفر ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بأسرها من أين يكون) لهم سيئة؟
فالجواب : ما من مكلف إلا وله سيئة ، أما غير الأنبياء فظاهر ، وأما الأنبياء فلأن
__________________
(١) انظر : فتح القدير ٤ / ١٩٢.
(٢) قاله الرازي في التفسير الكير ٢٥ / ٣٢.
(٣) الرازي ٢٥ / ٣٢.
(٤) قاله العكبري في التبيان ١٠٣٠ والسمين في الدر المصون ٤ / ٢٩٤.