وقرأ عيسى (١) والجحدري (٢) : «حسنا» (٣) وهما لغتان ، كالبخل والبخل. وقد تقدم ذلك في أوائل البقرة (٤).
وقرىء : إحسانا (٥) ، من قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [الإسراء : ٢٣].
فصل
معنى حسنا أي برّا بهما ، وعطفا عليهما ، والمعنى : ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن(٦). نزلت هذه الآية ، والتي في سورة لقمان (٧) والأحقاف (٨) في سعد بن أبي وقاص (٩) ، وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية من عبد شمس ، لما أسلم ، وكان من السابقين الأولين وكان بارا بأمه ، قالت أمه : ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ، ويقال : يا قاتل أمّه. ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب (ولم تستظلّ فأصبحت قد جهدت ، ثم مكثت يوما آخر لم تأكل ولم تشرب) (١٠) فجاء «سعد» إليها ، وقال يا أمّاه : لو كانت مائة نفس (فخرجت نفسا) (١١) نفسا ما تركت ديني فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلست وشربت فأنزل الله هذه الآية (١٢) ، وأمره الله بالبر بوالديه والإحسان إليهما.
واعلم أنه إنما أمر بالإحسان للوالدين لأنهما سبب وجود الولد بالولادة وسبب بقائه بالتربية المعتادة ، والله تعالى بسبب (١٣) له في الحقيقة بالإرادة ، وسبب بقائه بالإعادة للسعادة ، فهو أولى بأن يحسن العبد حاله (معه) (١٤).
__________________
(١) المراد به عند الإطلاق عيسى بن عمر الثقفي ، أخذ عن عبد الله بن أبي إسحاق ، وغيره ، وأخذ عنه الخليل له كتابات في النحو وكان مشهورا في القراءات ، ثقة ، عالما بالعربية ، وكان يتقعر في العربية مات سنة ١٤٩ ه ، انظر : أخبار النحويين البصريين ٢٥ ونزهة الألباء جمعية إحياء مآثر علماء العرب ، د. ت ١٣ ، ١٤ ، ١٥.
(٢) تقدم.
(٣) البحر المحيط ٧ / ١٤٢ ، والكشاف ٣ / ١٩٨ ، ومختصر ابن خالويه ١١٤ وهي شاذة.
(٤) يشير إلى قوله تعالى : «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً» [البقرة : ٨٤] ، وانظر : اللباب ١ / ٧٠.
(٥) نقلها الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٦١.
(٦) السابق.
(٧) وهي قوله : «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ» [لقمان : ١٤].
(٨) وهي : «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً»[الأحقاف : ١٥].
(٩) انظر تفسير الإمام ابن كثير ٣ / ٤٤٥.
(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(١١) سقط كذلك من ب.
(١٢) وانظر أيضا أسباب النزول للسيوطي ١٣٣ ، وتفسير فتح القدير ٤ / ١٩٥.
(١٣) كذا في النسختين وفي الرازي : سبب.
(١٤) ساقط من «أ» والأصل.