واعلم أن الصفة إذا كانت جارية على الفعل وهو اسم الفاعل واسم المفعول كالضارب والمضروب أفادت الحدوث. وإذا لم تكن كذلك وهي المشبهة [أفادت الثبوت. فمن قرأ «حذرون» (١)](٢) ذهب إلى معنى أنا قوم من عادتنا الحذر واستعمال الحزم ومن قرأ : «حاذرون» (٣) ذهب إلى معنى : إنا قوم ما عهدنا أن نحذر إلا عصرنا هذا. ومن قرأ : «حادرون» بالدال المهملة (٤) ، فكأنه ذهب إلى نفي أصلا ، لأن الحادر (٥) هو السمين ، فأراد : إنا قوم أقوياء أشداء ، أو أراد : إنا شاكون في السلاح. والغرض من هذه التقادير ألا يتوهم أهل المدائن أنه منكسر من قوم موسى ، أو خائف منهم (٦).
قوله : (فَأَخْرَجْناهُمْ). أي : خلقنا في قلوبهم داعية الخروج ، فاستلزمت الداعية الفعل ، فكان الفعل مضافا إلى الله تعالى لا محالة (٧).
وقوله : (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ) أي : أخرجناهم من بساتينهم التي فيها عيون الماء وكنوز الذهب والفضة (٨). قال مجاهد : سماها كنوزا ، لأنه لم يعط حق الله منها ، وما لم يعط الله منه فهو كنز وإن كان ظاهرا (٩).
قوله : (وَمَقامٍ). قرأ العامة بفتح الميم ، وهو مكان القيام. وقتادة والأعرج بضمها (١٠) وهو مكان الإقامة. والمراد ب «الكريم» : الحسن (١١).
قال المفسرون : هي مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت تحفها الأتباع (١٢).
وقيل : المواضع التي كانوا [يتنعمون فيها (١٣)](١٤).
قوله : (كَذلِكَ). فيه ثلاثة أوجه : قال الزمخشري : يحتمل ثلاثة أوجه : النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه والجر على أنه وصف ل «مقام» (١٥) أي : ومقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم ، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي : الأمر كذلك (١٦). قال أبو حيان: فالوجه الأول لا يسوغ ، لأنه يؤول إلى تشبيه الشيء بنفسه ، وكذلك الوجه الثاني ؛ لأن المقام الذي كان لهم هو المقام الكريم ، فلا
__________________
(١) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو.
(٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٣) وهي قراءة عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي.
(٤) وهي قراءة ابن السميفع وابن أبي عمار.
(٥) في ب : الحاذر. وهو تصحيف.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٧.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٧.
(٨) المرجع السابق ٢٤ / ١٣٨.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٢١٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٧ ـ ١٣٨.
(١٠) المختصر (١٠٧) ، البحر المحيط ٧ / ١٩.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٢١٧.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٨.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٨.
(١٤) ما بين القوسين في ب : ينتقمون. وهو تحريف.
(١٥) في ب : لقيام. وهو تحريف.
(١٦) الكشاف ٣ / ١١٦.