تصيبكم وهو قوله : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) ، نظير هذه الصيغة : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ)(١) ثم (٢) أكذبهم الله تعالى فقال : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما قالوا.
فإن قيل : قال : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) وقال بعده : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) فنفى الحمل أولا ، وأثبت (٣) الحمل ثانيا فكيف الجمع بينهما؟ فالجواب : أن قول القائل في «حمل فلان وعن فلان» يريد : أن حمل فلان خف ، فإذا لم يخف حمله فلا يكون قد حمل عنه شيئا ، فقوله : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) يعني (لا يرحمون) (٤) ولا يرفعون عنهم خطيئة ، بل يحملون أوزار أنفسهم ، وأوزارا بسبب إضلالهم (لهم) (٥) ، كقوله (عليه الصلاة) (٦) والسلام : «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء» (٧) ، والمعنى : وليحملن أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم ، (أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) أي أوزارا مثل أوزار من أضلوا مع أوزارهم ، كقوله : «و (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٨).
قوله : (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) سؤال توبيخ وتقريع ، وذلك الافتراء يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : قولهم : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) كان لاعتقادهم أن لا خطيئة في الكفر ، ثم يوم القيامة يظهر لهم خلاف ذلك ، فيسألون عن ذلك الافتراء.
وثانيها : أن قولهم (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) كان لاعتقادهم أن لا حشر ، فإذا جاء يوم القيامة ظهر خلاف ذلك ، فيسألون ويقول لهم : أما قلتم : أن لا حشر.
وثالثها : أنهم لما قالوا : نحمل خطاياكم يوم القيامة ، يقال لهم : فاحملوا خطاياهم ، فلا يحملون ويسألون فيقال لهم : فلم افتريتم؟
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ)(١٥)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ...) لما بين التكليف ، وذكر أقسام المكلفين ووعد المؤمن الصادق بالثواب العظيم ، وأوعد الكافر والمنافق بالعذاب الأليم
__________________
(١) طه : ٣٩.
(٢) في ب : فأكذبهم.
(٣) في ب : «ثبت» ثلاثيّا.
(٤) زيادة من «ب».
(٥) زيادة من أ.
(٦) زيادة من ب.
(٧) هذا جزء من حديث طويل مروي عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن جرير بن عبد الله ، وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه ٨ / ٦١ «باب العلم».
(٨) [النحل : ٢٥].