أحدها : كانت باقية على الجوديّ مدة مديدة.
وثانيها : أن نوحا أمر بأخذ قومه معه ، ورفع قدر من الزاد والبحر العظيم لا يتوقع أحد (نضوبه). ثم إن الماء غيض قبل نفاد الزاد ، ولو لا ذلك لما حصل النجاة فهو بفضل الله لا بمجرد السفينة.
وثالثها : أن الله سلم السفينة من الرياح المزعجة والحيوانات المؤذية ، ولو لا ذلك لما حصل النجاة(١) ، وقيل : «الهاء» في «جعلناها» راجعة إلى الواقعة أو النجاة أو العقوبة بالغرق.
فصل
قال ابن عباس بعث نوح لأربعين سنة ، وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطّوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا ، وكان عمره ألفا وخمسين سنة (٢) ، وروي عن ابن عباس أنه بعث وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة ، وعاش بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة (٣) ، فإذا كان هذا محفوظا عن ابن عباس فيضاف إلى لبثه في قومه وهو تسعمائة وخمسين سنة فيكون قد عاش ألف سنة وسبعمائة وثمانين سنة ، وأما قبره عليه (الصلاة و) (٤) السلام فروى ابن جرير (٥) ، والأزرقي (٦) حديثا مرسلا أن قبر نوح عليه (الصلاة و) (٧) السلام بالمسجد الحرام (٨). وقيل : ببلدة بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح وهناك جامع قد بني بسبب ذلك (٩) ، والأول أقوى وأثبت.
قوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(١٨)
قوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ) أي «وأرسلنا إبراهيم» (١٠) ، والعامة على نصبه (١١) عطفا
__________________
(١) انظر : الفخر الرازي ٢٥ / ٤١.
(٢) رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس ، انظر : زاد المسير ٦ / ٢٦١.
(٣) لم أعثر على هذه الرواية في الكتب المعتمدة ، وقد قال ابن كثير : «وقول ابن عباس أقرب والله أعلم» ، انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤٠٧.
(٤) زيادة من «ب».
(٥) ابن جرير هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الآملي الطبري أبو جعفر ، الإمام ، صاحب التصانيف المشهورة له تفسير القرآن وكتاب تهذيب الآثار ، مات سنة ٣١٠ ه ، انظر : طبقات المفسرين للداودي ٢ / ١١٠ ، ١١٧.
(٦) الأزرقي : لم أعثر عليه.
(٧) زيادة من «ب».
(٨) معالم التنزيل للبغوي.
(٩) المرجع السابق.
(١٠) ذكره الزجاج في إعرابه ٤ / ١٦٤ وإعراب النحاس ٢٥٢ ج ٣ وانظر : البيان لابن الأنباري ٢ / ٢٤١ والمشكل ٢ / ١٦٨ ، والتبيان للعكبري ٢ / ١٠٣٠.
(١١) أي نصب إبراهيم ، انظر : المراجع السابقة.