عمرو بخلاف عنه يبدأ مضارع بدأ. وقد صرح بماضيه هنا (١) حيث قال : (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)(٢) ، وقرأ الزهري : «كيف يبدأ» بألف (صريحة (٣) وهو تخفيف على غير قياس ، وقياسه بين بين وهو في الشذوذ كقوله :
٤٠٢٧ ـ ........... |
|
فارعي فزارة لا هناك المرتع (٤) |
فصل
المعنى : أو لم يروا كيف يخلقهم الله ابتداء نطفة ثم علقه ، ثم مضغة.
فإن قيل : متى رأى الإنسان بدء الخلق ، حتى يقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ)؟
فالجواب : أن المراد بالرؤية العلم الواضح الذي كالرؤية ، والعاقل يعلم أن البدء من الله لأن الخلق الأول لا يكون من مخلوق ، وإلا لما كان الخلق الأول خلقا أول ، فهو من الله ، هذا إن قلنا : إن المراد إتيان نفس الخلق وإن قلنا : إن المراد بالمبدأ خلق الآدمي أولا ، وبالإعادة خلقه ثانيا ، فنقول : العاقل لا يخفى عليه أن خالق نفسه ليس إلا قادر حكيم يصور الأولاد في الأرحام ، والخلقة من نظفة في غاية الإتقان والإحكام فذاك الذي خلق أولا معلوم ظاهر ، فأطلق على ذلك العلم لفظ الرؤية ، وقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي أو لم يعلموا علما ظاهرا واضحا كيف يبدأ الله الخلق وهو من غذاء هو من ماء وتراب يجمعه فكذلك يجمع أجزاءه من التراب وينفخ فيه روحه بل هو أسهل بالنسبة إليكم فإن من نحت حجارة حتى صارت أصناما ثم كسرها وفرقها فإن وضعه شيئا بجنب شيء (٥) في هذه النوبة أسهل ، لأن الحجارة منحوتة معلومة.
فإن قيل : علق الرؤية بالكيفية (٦) لا بالخلق ، ولم يقل : أو لم يروا أن الله خلق أو بدأ الخلق والكيفية غير معلومة.
فالجواب : هذا القدر من الكيفية معلوم وهو أنه خلقه ولم يك شيئا مذكورا ، وأنه خلقه من نطفة من غذاء هو من ماء وتراب ، وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة.
__________________
ـ النسخة الأصل هذه ، وفي ب : الزهري وما في مختصر ابن خالويه «كيف بدأ الله الخلق ثم يعيده» بالفتح فيهما ، يعني الياء والدال ونسبهما للزهري ، انظر : المختصر ١١٤ ، والحجة له أيضا بدون نسبة ٢٧٩ ، والبحر المحيط ٧ / ١٤٦.
(١) أي في [العنكبوت : ٢٠].
(٢) انظر : المحتسب ٢ / ١٦١ وهي من القراءات غير المتواترة واحتمال بعد هذا أن يكون «الزبيري» الذي ذكر احتمال أن يكون تصحيفا لكلمة «الزهري» على أساس أنه قرأ بتحقيق الهمز وتسهيله فالله أعلم.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من ب.
(٤) من الكامل للفرزدق وقد تقدم.
(٥) في ب : تحت.
(٦) في ب : في الكيفية لا بالخلق أو لم يقل.