فإن (١) قيل : قال : (ثُمَّ يُعِيدُهُ) (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أبرز اسمه مرة أخرى ولم يقل : إن ذلك عليه يسير كما قال : (ثُمَّ يُعِيدُهُ) من غير إبراز.
فالجواب : أنه مع إقامة البرهان على أنه يسير أكده بإظهار اسمه ، فإنه يوجب المعرفة أيضا بكون ذلك يسيرا فإن الإنسان إذا سمع لفظ «الله» وفهم معناه أنه الحيّ القادر بقدرة كاملة لا يعجزه شيء محيط بذرات كل (٢) جسم نافذ الإرادة يقطع بجواز الإعادة (٣).
قوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) أي انظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ بخلقهم.
فإن قيل : أبرز (٤) اسم «الله» في الآية الأولى عند البدء ، فقال : (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ) وأضمره عند الإعادة ، وهاهنا أضمره عند البداء (٥) ، وأبرزه عند الإعادة ، فقال : «ثم الله ينشىء النشأة الآخرة».
فالجواب : أنه في الآية الأولى : لم يسبق ذكر الله بفعل حتى يسند إليه البداء فقال : (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، كقولك : ضرب زيد عمرا ثم ضرب بكرا ، ولا يحتاج إلى إظهار اسم «زيد» اكتفاء بالأول.
وفي الثانية : كان ذكر البداء مسندا إلى الله فاكتفى به ، ولم يبرزه ، وأما إظهاره عند الإنشاء ثانيا ، فقال : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ) مع أنه كان يكفي أن يقول : «ثم ينشىء» النشأة الآخرة لحكمة بالغة وهي أن مع إقامة البرهان على إمكان الإعادة أظهر اسمه ، حتى يفهم المسمى (٦) به صفات كماله ، ونعوت جلاله ، فيقطع بجواز الإعادة فقال : (ثُمَّ اللهُ) مظهرا لينفع في ذهن الإنسان جلّ اسمه كمال قدرته ، وشمول علمه ، ونفوذ إرادته ، فيعترف بوقوع بدئه ، وجواز إعادته ، فإن قيل : فلم لم يقل : «ثم الله يعيده» بعين ما ذكرت من الحكمة فنقول : لوجهين.
أحدهما : أن الله كان مظهرا مبرزا بقرب منه وهو في قوله : (يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) ، ولم يكن بينهما إلا لفظ الخلق ، وأما هنا فلم يذكر غير البدء فأظهره.
وثانيهما : أن الدليل هنا تم على جواز الإعادة لأن الدليل منحصر في الآفاق وفي الأنفس ، كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] ففي الآية الأولى أشار (٧) إلى الدليل الحاصل للإنسان من نفسه ، وفي الثانية أشار (٨) إلى الدليل
__________________
(١) في ب : بدلا من فإن قيل : فصل «فإن قيل» : فالجواب.
(٢) ساقط من ب : لفظ «كل».
(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٤٦.
(٤) في ب : فصل ذكر اسم الله في الآية الأولى ظاهرا عند البدء.
(٥) في ب : البدء.
(٦) في ب : المنشىء. وهو تحريف.
(٧) في ب : إشارة بالاسمية.
(٨) في ب : كذلك.