قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ)(٢٥)
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ) أي بالقرآن (١) وبالبعث (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) (جنّتي (٢)) (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) يوم القيامة فإن قيل : هلا اكتفي بقوله : «أولئك» مرة واحدة؟
فالجواب : أن ذلك لفائدة وهو أنه لو قال أولئك يئسوا وهم في عذاب أليم ذهب (ذاهب) (٣) إلى أن هذا المجموع منحصر فيهم ، فلا يوجد المجموع إلا فيهم. (و) (٤) أضاف الرحمة إلى نفسه في قوله تعالى : (يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) وأضاف اليأس إليهم بقوله : «يئسوا» إعلاما لعباده بعموم رحمته.
قوله تعالى : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) العامة على نصبه والحسن وسالم الأفطس (٥) برفعه وتقدم تحقيق هذا. هذه الآيات في تذكير أهل إبراهيم وتحذيرهم وهي معترضة في قصة «إبراهيم» صلوات الله عليه ، ثم عاد إلى قصة «إبراهيم» فقال تعالى : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ). لما أقام إبراهيم صلوات (٦) الله عليه البرهان على الأصول الثلاثة لم يجيبوه إلا بقولهم (اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) فإن قيل : كيف سمى قولهم : اقتلوه جوابا مع أنه ليس بجواب؟
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنه خرج مخرج كلام (٧) متكبر ، كما يقول الملك لرسول خصمه : جوابكم السيف ، مع أن السيف ليس بجوابه وإنما معناه لا أقابل بالجواب وإنما أقابل (٨) بالسيف.
وثانيهما : أن الله تعالى أراد بيان (ضلالتهم) (٩) وأنهم ذكروا ما ليس بجواب في
__________________
(١) انظر : فتح القدير للشوكاني ٤ / ١٩٨.
(٢) ناقص من ب.
(٣) زيادة من ب.
(٤) زيادة من ب.
(٥) سالم الأفطس : سالم بن عجلان مولى محمد بن مروان بن الحكم أبو محمد الكوفي الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، وعنه الثوري ، له نحو ستين حديثا ، وثقه أحمد ، وقال أبو حاتم : صدوق ، مات مقتولا سنة ١٣٢ ه. انظر : خلاصة الكمال ١٣٢.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) في ب : مخرج التكبر.
(٨) في ب : وما أقابل إلا بالسيف.
(٩) ساقط من ب.