فالمعنى : إنكم إنما اتخذتم هذه الأوثان مودة بينكم في الحياة الدنيا تتوادّون على عبادتها ، وتتواصلون عليها في الدنيا (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ) تتبرأ الأوثان من عبادة عابديها وتتبرأ السادة من الأتباع ، ويلعن الأتباع القادة. ومأواكم النار جميعا ، العابدون والمعبودون (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ).
فإن قيل : (قال قبل هذا) (١) ومأواكم النار ، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير على لفظ الواحد.
وقال هنا : (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) على لفظ الجمع فما الحكمة فيه؟
فالجواب : أنهم لما أرادوا إحراق إبراهيم عليه (الصلاة و) (٢) السلام ، قالوا : نحن ننصر آلهتنا ، كما قال تعالى (عنهم) (٣) : حرّقوه وانصروا آلهتكم ، فقال : أنتم ادّعيتم أن لهؤلاء ناصرين فما لكم كلكم أي الأوثان وعبدتهما من ناصرين ، وأما هناك فلم يسبق منهم دعوى النصر فنفى الجنس بقوله : (وَلا نَصِيرٍ).
قوله تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(٢٧)
قوله تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي صدقه ، وهو أول من صدق إبراهيم ، وكان ابن أخيه وقال إبراهيم : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) إلى حيث أمرني ربي بالتوجه إليه من «كوثا» وهو من سواد الكوفة إلى «حران ثم إلى الشام ومعه» لوط «وامرأته» سارة «وهو أول من هاجر». وقال مقاتل : هاجر إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) (٤) وهو ابن خمس وسبعين (٥) سنة. ثم قال : (إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، عزيز يمنع أعدائي عن إيذائي بعونه ، و «حكيم» لا يأمرني إلا بما يوافق الحكمة.
(فإن قيل) (٦) : قوله (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي بعد ما رأى منه العجز القاهر ، ودرجة لوط كانت عالية فبقاؤه إلى هذه الوقت مما ينقص من الدرجة ، ألا ترى إلى (٧) أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ لما قبل دين محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان قبوله قبل الكل من غير سماع تكلم الحصى ، ولا رؤية انشقاق القمر.
فالجواب : أن لوطا لما رأى معجزته آمن برسالته ، وأما بالوحدانية فآمن من حيث سمع مقالته ، ولهذا قال : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) ، ولم يقل : «فآمن لوط».
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) ساقط من ب.
(٣) ساقط من ب.
(٤) زيادة من ب.
(٥) انظر : تفسير القرطبي ١٣ / ٣٣٩.
(٦) ساقط من ب.
(٧) في ب : ألا ترى أن أبا بكر.